شذرات من أحمد شوقي

31 أكتوبر 2021
تمثال لأحمد شوقي
+ الخط -

أَحَبّ شعراء العربية إليَّ المتنبّي، وأنا أعدّه أُستاذي الأول، ثم يلي المتنبّي ابن الرومي والبحتري. وأَحَبُّ شعراء الغرب إليّ فكتور هوغو ودي موسيه الذي لا أملّ القراءة فيه. أمّا لماذا أحببت هؤلاء جميعاً، فلأنّ شِعرَهم صادف في نفسي هوى لم يُتَح للكثير من سواهم أن يبعثوه.

إن الأدب المصري والأدب البغدادي والأدب الأندلسي والأدب الأموي والأدب العباسي، ليست كلّها إلا نعوتاً لزمان الشاعر العربي أو مكانه. يمدّها الوحي العربي كلّها ولا يختلف بعضها عن بعض إلّا في ظروف العصر والمكان. ولقد تسمع بالأدب السويسري مثلاً فتظنّه أدباً جديداً مستقلّاً، فإذا عدت إليه لم تجد إلا أدباً فرنسياً أو ألمانياً اختلف عليه المكان والاسم والشعراء.

وأولئك الذين يطلبون أدباً مصرياً غير شائع في العالم العربي ولا يستوحي الأدب العربي القديم، إمّا أن يخلقوا لمصر لغة أخرى يسخّرونها ويعبثون بها كما يشاؤون، وإمّا أن يستوحوا للأدب المصري المزعوم لغة من لغات الغرب، ولن يكون هذا يومئذٍ إلا علماً مزيفاً على مسمى لا فضل لهم فيه إلا فضل الترجمة.

ليس بين الشعراء قديمٌ ولا جديد، وما دام الشاعر يروي في كلّ عصر فهو ابن الماضي والحاضر والمستقبل. الشعر وحيٌ يهبط على نفوس الشعراء، وليس اختلاف هؤلاء إلّا صورة لاختلاف نفوسهم في الحسّ والأهواء والنزعات. وأولئك الشعراء الشباب اليوم لا ترى بينهم فرقاً إلا أن يكون بعضهم أحرص على اختيار أسلوبه ومعانيه من بعض، ويبشّر شعرهم بمستقبلٍ صالح لتغذية الأدب العربي.

المعاني السامية في الشِّعر كلّه واحدة، لا يمكن التمييز بينها، وأجد للشعر العربي في أذني موسيقى لا توجد في الشعر الفرنسي الذي لم أتذوّق غيره. أمّا من حيث غرض الشعر، فيجب أن نذكر أن للحضارة عملاً في كلا الأدبين. ففي عصر الحضارة العباسية والأموية في الشرق والغرب اتسعت أغراض الشعر العربي وتناولت كل ما كان يسمو إليه الفكر يومئذٍ.


(من لقاء مع أحمد شوقي في مجلة الهلال، حزيران/يونيو 1927)

■ ■ ■

 

لو طُلِبَ إلى الناس أن يحذفوا اللغو وفضول القول من كلامهم، لكاد السكوت في مجالسهم يحلُّ محلَّ الكلام. ولو طُلِب إليهم أن يُنَقُّوا مكاتبهم من تافه الكتب وعقيمها، وألا يدَّخروا فيها إلا القيِّم العبقريّ من الأسفار؛ لما بقي لهم من كل ألف رف إلا رفٌّ.

مضغةُ لحمٍ في عَظْم؛ سمَّاها الناس اللسان، وعظّموها لفضيلة البيان، عضلٌّ نبت من الحُلقومِ وقناتِه، وثَبَت في أصل لَهَاتِه، ولبَث في السجن ظِمْءَ حياته، لا يتحرّك منه سوى شبَاتِه؛ رسولُ العَقل، في النَّقل؛ وأداة الدِّماغ، في البلاغ؛ وتَرْجمانُ النفس في رواية العاطِفة، وحكايةِ الصَّحْوِ والعاصفة؛ الوَحْيُ على عَذبَاته ظَهَر، ومنْ جَنَبَاته انحدر.

اعلم يا ابن الأيام أن الغد أعدّه الله لك خيرَ ما أعدّه، ومدّه لك أيْمَنَ ما مدّه؛ هو الشخص الثالث، في رواية الأيام والحوادث، والخَلفُ من صاحبيه والوارث؛ وهو مَعْقدُ الآمال، ومَوْعِد استئناف الأعمال، ومَرْمَى همّة المال، تنام الأنفس وفي إيمانها منه شَكّ، وفي أيْمَانها منه صَكّ.

                                                                                                    (من كتاب "أسواق الذهب")

موقف
التحديثات الحية

 

المساهمون