سِحنة المَلك

29 يوليو 2022
وليد المصري/ سورية
+ الخط -

في مسرحية سعد الله ونوس "الملك هو الملك"، ينتقل رجل، هو أبو عزّة، من شخصٍ بسيطٍ لا يمتلك أيّ سلطة، ليحلَّ محلَّ الملك الحقيقي في لعبة أقنعة يرغب الملك نفسه، يساعده وزيره، في لعبها للتسلية. تقول المسرحية إنّ تغيير الثياب، والكرسي، والسرير، يُفضي بالضرورة إلى تغيير التفكير والسلوك ورؤية العالم. فبانتقال أبو عزّة من بيته إلى قصر الملك، كي يلعب الدور الذي رسمه له الملك ووزيره، يتلبَّس، أو يتماهى سريعاً، مع منطق السلطة.

غير أنّ الحقيقة تقول غير ذلك. فأبو عزّة يحلم منذ بداية المسرحية حلمَ السلطة، يقول: "حين أُصبح سلطان هذه البلاد، وأشدّ القبضة ولو ليومين على العباد، أنقشُ الختم على بياض، فينقضي أمري بلا اعتراض"، لا يكتفي حلم الرجل عند هذا الحدّ، بل يتجاوز ذلك إلى إصدار أحكامٍ بالإعدام على الآخرين، ولا تعدّ التهمة التي يوجّهها لهم، مثل التحكُّم بالتجارة وخِداع الناس دينياً، كافية لتسويغ أحكامه السلطانية، بقدر ما تعبّر عن رغبته في السلطة من أجل السلطة. ولا يبدو حلمه بالمقارنة مع هذه الأمنيات مشروعاً إصلاحياً، إذا ما تمكّن من الوصول إلى السلطة.

ولهذا، فإنَّ القارئ قد يستنتج هنا أن الاستبداد يبدو متأصِّلاً في النفس البشرية، وليس وليد الظرف أو التجربة، أي تجربة الحكم. وهي نتيجة تضع البشر في مأزق، خاصّة أن المسرحية تذهب أبعد من ذلك في شأن الفساد الناجم عن السلطة. فعرقوب، الذي يمسي وزيراً في اللعبة، فاسدٌ أصلاً، ولم يأته الفساد أو النفاق بسبب منصبه الجديد الطارئ.

استبدالُ الملك بملك لا يغير شيئاً جوهرياً في الواقع

اللافت هو أن أبو عزّة يمسي خلال بضع ساعات شخصاً آخر، لا في السلوك، بل في التشخيص وفهم العالم من حوله، وطرائق الحكم، وأساليب التعامل مع رجال البلاط، وموظّفي القصر، بل إنه لا يصبح "الملك"، إذ إن الملك نفسه، الذي يتّخذ لنفسه شخصية تاجر، يقف مذهولاً من سياسات أبو عزّة، أو الملك الطارئ، ويقول حائراً من سلوك الناس تجاهه، بمن فيهم زوجته، أي زوجة الملك المستعار "أبو عزّة": أأنا مسحور، ولم يلحظ أحد اختلاف سحنته ووجهه؟". 

ويأتيه الجواب حالاً: "ليس للملك سحنة أو وجه". بما يعني أن المواطن الجديد الذي استلم السلطة تجاوز توقُّعات صاحب السلطة، فلم يعد بوسعنا الحديث عن التماهي بين المحكوم والحاكم، بل عن ابتكار أساليب حُكم جديدة، تضعُ الحاكم السابق نفسه في حيرة من شكل الممارسة الجديد، من دون أن يغفل عن أن "اختلاف التفاصيل لا يعني اختلاف السمات الجوهرية". وقال سعد الله ونوس ، في مقالة له عن المسرحية: "إنّ استبدال المَلك بمَلكٍ لا يغيّر شيئاً جوهرياً في الواقع". 

تنفرد مسرحية الملك هو الملك في الأدب العربي بمتابعة تكوّن الملك، أو الحاكم المستبِدّ، وهي لا تبحث في سلوكه إلّا كي تؤكّد أنه سلوك كلّ حاكم مستبِدّ، أي أنّ المَلك هنا، بوجهيه الحقيقي والمزيّف، أو المُستعار، لا يتغيّر، لأن شكل الحكم نفسه يخلق مثل هذا المسلك.


* روائي من سوريّة

موقف
التحديثات الحية
المساهمون