تراث الكاتب

06 سبتمبر 2024
(1924 - 2018)
+ الخط -

يتنازع مسألة الريادة في تاريخ الرواية السورية اسمان: شكيب الجابري وحنا مينه. ويسبُق شكيب الجابري حنا مينه زمنيّاً، فقد نشر رواياته منذ الأربعينيات في القرن الماضي، ومنها: "نهم" و"قوس قزح"، ثم توقّف في نهاية الخمسينيات، من القرن ذاته، بعدما كتب "وداعا يا أفاميا". 

وفي حدود معرفتي فإن فنّ شكيب الجابري غير معروف لدى الأجيال الروائية اللاحقة، وكتبه موجودة في التاريخ الأدبي فقط، وهناك قلّة من الذين قرأوه من بين الروائيّين السوريّين، وبين القرّاء عامّة، ومنهم من لم يسمع باسمه، وحضوره في الأدب العربي يكاد أن يكون معدوماً، وليس له أي تأثير فنيّ أو فكري في مَن جاء من بعده.

أمّا حنا مينه فظلّ ينشر رواياته، منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي حتى رحيله عام 2018، وهو مقروء على نطاق واسع، ولديه طبعات متعدّدة لكتبه، وتنتشر في جميع أنحاء العالم العربي، وكان رائداً من روّاد كتابة الرواية الفنية السورية، بالفعل، على الرغم من أنه لم يعرف على نطاق واسع حتى منتصف الستينيات من القرن العشرين. 

ولكن لا تأثير لحنّا أيضاً في الأجيال الروائية السورية أو العربية، وأختلف هنا مع الصديق الروائي فواز حداد (انظر مقال الرواية والسيرة الذاتية - العربي الجديد)، في أنّ حنا مينه كان معلماً، بأي معنى من المعاني، فلا أثر يُذكر فنيّاً له في الرواية السورية أو العربية، والفارق الوحيد بينه وبين أي روائيٍّ سوريٍّ آخر هو في الأسبقية الزمنية، وفي عدد النسخ المطبوعة من عناوين كتبه. وعدا ذلك فإنه يشبه إلى حدٍّ بعيد أي روائي آخر من الأجيال التي جاءت من بعده، في تأثّره هو شخصيّاً بالآداب الأخرى غير العربية، وخاصة الأدب الاشتراكي، ممثلاً بغوركي خاصة، وبشولوخوف من بعده، ويظهر تأثّره واضحاً في رواياته الأولى "المصابيح الزرق"؛ وهي رواية أولى تشكو من نقاط ضعف كثيرة، وفي "الشراع والعاصفة"؛ وهي الرواية التي وضعته في مكانة هامة في الرواية العربية. 

الفارق بين مينه وأي روائي سوري آخر هو في الأسبقية الزمنية

المسألة هنا لا تُنقص من قيمة الروائي، ولكنّها لا تزيد في رصيده الأدبي والفني، في الثقافة المحلية، فليس لدينا في أدبنا السوري، في الرواية بشكل خاص، من يستطيع القول: كلّنا تأثّرنا في أدبنا بمعطف غوغول؟ على غرار ما يتردد في الأدب الروسي، ليس لدينا من يقول إننا تأثّرنا في روايتنا فنيا بـ"الشراع والعاصفة"، أو "الشمس في يوم غائم"، أو غيرهما من رواياته. 

بينما يمكن للقصة السورية أن تسجّل بعض النقاط الهامة في سلسلة التوريث الأدبي، وهناك عدد من كتّاب القصّة السوريّين يعترفون بفضل كاتب مثل حسيب كيالي على أدبهم، وكتاباتهم، ولا يتحرّجون من الانتساب إلى أبوّته الفنية، في القصة الساخرة بشكل خاص، ولا يمكن تجاهل أثر زكريا تامر أيضاً، ولكن لا وجود لكاتب ورث أسلوبه، وتفوّق عليه، بإضافة فنيّة جدية تزيد من تراكم المُنجز الفنّي المتميّز الذي حقّقه زكريا.  

يعرّف المعجم العربي "الرائد" بأنه من يمهّد السبيل، ينير الطريق. موجّه ومسؤول. ربما مهّد رائدا الرواية السورية سبيل الرواية، وأنارا طريقها، غير أنهما لم يتمكنا من أن يكونا موجّهين لها.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون