هل تكون سورية الجديدة استثناءً؟

18 ديسمبر 2024
+ الخط -

كان السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأوّل، ذكرى انطلاق أحداث الثورة التونسية عام 2011، ولهذا تغمرنا الفرحة اليوم بتحرّر سورية وهروب طاغيتها. ومع ذلك، يأتي التساؤل عما ينتظر سورية بعد الثورة وسط دروس الربيع العربي وتجاربه.

من الواضح أنّ سقوط نظام الأسد، وإن طال، كان أمرًا شبه محسوم منذ اللحظة الأولى التي فقد فيها شرعيته باستخدام الرصاص الحي ضدّ شعبه. استمرار هذا النظام لم يكن إلا بفعل الدعم الخارجي، ما جعله استثناءً مؤقتًا، إذ إنّ مصيره لم يختلف عن بقية أنظمة الربيع العربي التي سقطت. لكن إذا أمعنّا النظر في تجارب ما بعد الثورات العربية، نجد أنّ الاقتتال الداخلي والانقسام والثورات المضادة كانت قواسم مشتركة لكلّ الأنظمة التي أعقبت إسقاط الطغاة، والسؤال هنا: هل ستكون سورية استثناءً؟

القوى الداعمة للثورات المضادة، أو ما يُعرف بفريق الثورات المضادة، لن تدّخر جهدًا في محاولة اختراق المجتمع السوري وعرقلة مشروع الثورة، سواء عبر الطرق العسكرية أو السياسية. هذه القوى تسعى لتقويض أيّ حالة استقرار قد تنشأ في سورية، وذلك من خلال استغلال الانقسامات الداخلية ومحاولة فرض أجنداتها لتحقيق مصالحها. ولذا، يصبح من الضروري التصدّي بحزم لأيّ تدخل خارجي وتجريم أيّ فعل يُمهّد لاختراق هذه القوى للنسيج الوطني السوري، بما في ذلك الأنشطة التي تهدف إلى زرع التفرقة أو زعزعة الأمن والاستقرار.

تتقاطع مصالح إسرائيل بشكل مباشر مع مصالح فريق الثورات المضادة

في هذا السياق، تتقاطع مصالح إسرائيل مباشرةً مع مصالح فريق الثورات المضادة. إسرائيل، التي طالما استفادت من ضعف النظام السوري السابق، لن تقبل بوجود سورية قويّة ومستقرّة قادرة على حمايةِ مصالحها وسيادتها، بل ستعمل جاهدة لضمان بقاء سورية مكشوفة عسكريًا، ومخترقة أمنيًا، على الأصعدة كافة، تمامًا كما كان الحال في عهد نظام الأسد. هذا التوجّه ينسجم مع الأجندة الإسرائيلية التي تهدف إلى تحويل سورية إلى دولةٍ ضعيفة أو شبه فاشلة، ما يعزّز هيمنتها الإقليمية ويضمن استمرار حالة الفوضى داخل سورية لتفادي أيّ تهديدٍ مستقبلي مُحتمل على حدودها أو مصالحها الاستراتيجية.

على الجانب الآخر، تلعب تركيا دورًا محوريًا في الملف السوري، وتتمثّل مصلحتها الأساسية في الحفاظ على سورية موحّدة ومستقرة، تفاديًا لأي فوضى قد تمتدّ إلى أراضيها. من هذا المنطلق، ينبغي أن تعتمد تركيا نهجًا بنّاءً قائمًا على الحوار مع القيادات الكردية في شمال شرق سورية، بدلًا من اللجوء إلى التهديدات أو التصعيد الذي لا يؤدي إلا إلى تعقيد طاولة المفاوضات وخلق المزيد من التوتّرات التي تفاقم الوضع بدلًا من حلّه. تحقيق علاقة إيجابية مع الأطراف الكردية يمكن أن يساهم في تعزيز الاستقرار ويُجنّب المنطقة المزيد من الفوضى.

على الصعيد المحلي، تلقى السوريون إشارات إيجابية تعكس وجود نيّة حقيقيّة لتحقيق توافق داخلي. القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، وجّه طمأنات واضحة للأكراد، وهي خطوة قوبلت بردٍ إيجابي من رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود برزاني. هذا التفاعل الإيجابي يُظهر نضجًا سياسيًا وإرادة صادقة لبناء أرضية مشتركة تُجنّب البلاد المزيد من الصراعات. مثل هذه الخطوات البناءة تعدّ ضرورية لتعزيز الوحدة الوطنية وفتح آفاق لحوار شامل يضمن استقرار سورية على المدى الطويل.

تحسين الاقتصاد وإطلاق برامج تنموية عاجلة يُعدّ أساسًا لبناء الثقة بين الشعب والإدارة الجديدة 

 

إنّ خطوات الإدارة الجديدة، مثل تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة لغاية شهر مارس/ آذار والتنظيف التدريجي للمناصب الوزارية والسيادية من رموز النظام السابق، تُعدّ خطوات حكيمة. إضافة إلى ذلك، إنّ تقديم لوائح بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة يشير إلى نيّة واضحة لبناء نظام جديد قائم على العدالة والمساواة. كذلك، من المهم الإسراع بصياغة دستور جديد يُنجز في غضون ثلاثة أشهر في حدٍّ أقصى، مع تجنّب الدخول في متاهات وتفاصيل صغيرة تؤدي إلى ارتباك أو خلق حالة من الفوضى.

الشعب السوري منهك اقتصاديًا، وملّ من الانتظار. لذلك، يجب أن تكون أولويات الحكومة الانتقالية معالجة الأوضاع المعيشية فورًا. تحسين الاقتصاد وإطلاق برامج تنموية عاجلة يُعدّان أساسًا لبناء الثقة بين الشعب والإدارة الجديدة. 

تقف سورية الآن على مفترق طرق حاسم، حيث تتشابك التحديات مع الفرص. أبناؤها وحدهم، بوحدتهم ووعيهم، قادرون على رسم ملامح الغد الأفضل.