هاجس الثورة المضادة في سورية
يُراود الكثير من السوريين بعد أسبوع من سقوط النظام هاجس الثورة المضادة، ممّا يدفع للتساؤل حول احتمال انتهاء مسار الثورة بسيناريو مُشابه للنماذج التي شهدتها دول أخرى، مثل السيناريو المصري، حيث تمكّنت الثورات المضادة من العودة واستلام زمام المبادرة.
الثورة المضادة ترتكز عادة على عدّة أسس، من أبرزها الدعم الدولي، إذ تلعب القوى الخارجية دورًا كبيرًا في توجيه مسار الأحداث، إضافة إلى الإعلام الذي يمكن أن يكون أداةً لتشويه الحقائق وإعادة صياغة الرواية، ناهيك عن الأجهزة الأمنية التي تمثل العمود الفقري لأيّ نظام استبدادي.
وإذا أمعنّا النظر في هذه الركائز ضمن السياق السوري، نجد أنّ تركيا كأحد اللاعبين الأساسيين في الملف السوري، لديها مصلحة واضحة في الحفاظ على سورية موحّدة ومستقرة، بعيدًا عن النظام البائد الذي كان مصدرًا لعدم الاستقرار عبر دعمه لحزب العمال الكردستاني. لذلك، لا يبدو أنّ هناك مصلحة تركية في دعم أيّ ثورة مضادة. بالمقابل، هناك أطراف أخرى، مثل إيران وروسيا، قد تسعى للحفاظ على نفوذها ودعم أيّ جهود لاستعادة نظام مشابه للنظام السابق.
انهيار أجهزة الأمن السورية بمختلف تشكيلاتها أتاح للثوّار فرصةً لبناء بدائل أمنية محليّة. وهذه البدائل بدأت بالفعل في بسط الأمن واستلام زمام الأمور. ومع ذلك، يبقى التحدي في توحيد هذه الأجهزة تحت مظلّةٍ وطنية واحدة لتجنّب الفوضى أو استغلالها من قِبل قوى الثورة المضادة.
بالنسبة للإعلام فقد تمّ تفكيك الوسائل الإعلامية التي دعمت النظام السابق، وبدأت مؤسّسات الثورة الإعلامية بتولي المهام. لكن غياب استراتيجية إعلامية موحّدة لدى المعارضة يجعل الفضاء الإعلامي عرضةً للتضليل والدعاية المضادة، ممّا قد يُضعف التأييد الشعبي للثورة.
الأمل في سورية لا يزال قائماً، لكنه يتطلّب جهداً حقيقياً ومخلصاً من كلّ الأطراف لتحقيق رؤية مشتركة لمستقبل البلاد
في الحالة المصرية، ساندت أجهزة الأمن الثورة المضادة بشكلٍ واضح، وظلّت وسائل الإعلام تبثّ دعايةً مضادة وحقائق مشوّهة. بالإضافة إلى ذلك، حصلت الثورة المضادة على دعمٍ دولي، وخاصة من الولايات المتحدة، التي غضّت الطرف عن الانتهاكات التي رافقت إسقاط ثورة الشعب وصعود الثورة المضادة.
بالنسبة لي كسوري، أكثر ما يُقلقني الآن هو تشتّت الفصائل المسلّحة التي قاتلت النظام، بهدف تحقيق مكاسب شخصيّة ضيّقة وعدم وضع مصلحة البلاد في المقدّمة.
لا بُدّ من تعزيز وحدة الصف الوطني من خلال تشكيل قيادة موحّدة قادرة على اتخاذ قرارات سياسية وعسكرية تخدم أهداف الثورة وبناء مؤسسات دولة شاملة من خلال التركيز على بناء مؤسسات مدنية تمثّل جميع المكونات السورية وتعالج المظالم التاريخية.
الأمل في سورية لا يزال قائمًا، لكنه يتطلّب جهدًا حقيقيًا ومخلصًا من كلّ الأطراف لتحقيق رؤية مشتركة لمستقبل البلاد. وحدة الفصائل وتغليب المصلحة العامة على المصالح الضيّقة، إلى جانب إشراك الأقليات وضمان حقوقها، تمثّل عوامل أساسية في منع عودة الثورة المضادة وتجنّب السيناريوهات التي قد تعيد عقارب الساعة إلى الوراء.