الثورة اليتيمة في سورية... للقصة بقية
عُرفت الثورة السورية بـ"الثورة اليتيمة" لتخلّي العالم عن الشعب السوري في معركته من أجل الحرية والكرامة. وعلى الرغم من عزيمةِ الشعب السوري واعتماده على نفسه، واجهه النظام بأشدّ الوسائل قسوة، بما فيها استخدام الأسلحة المحرّمة دوليًا. فسورية، التي حُرمت حريتَها بفعل الدعم العسكري المباشر من روسيا وإيران وحزب الله والفصائل العراقية، ظلّت أيضًا محميّة بالفيتو الروسي، الذي استُخدم 17 مرة منذ عام 2011 لإجهاض أيّ تدخلٍ دولي يُنصف الشعب السوري.
بسقوط النظام السوري، يتهاوى المشروع الإيراني في المنطقة، الذي جعل من الشعب السوري وقودًا لنيرانه طوال السنوات الماضية. وهذا يُعدّ درسًا بالغ الأهمية للسوريين، كي لا يُستخدَموا أدواتٍ في أيّة مشاريع إقليمية مستقبلية.
واليوم، ونحن نشهد سقوط هذا النظام الاستبدادي، لا بدّ من استذكار شخصيّات ضحّت بحياتها من أجل الحرية، منهم من استشهد على أرض الوطن، ومنهم من فارق الحياة في المنفى حزنًا وقهرًا، ومنهم من أمضى سنين طوالًا خلف قضبان الظلم. لقد كانت الثورة السورية ثورة لكلِّ السوريين، بمختلف أطيافهم ودياناتهم وطوائفهم، مجسّدةً وحدة الشعب في تطلّعه إلى الكرامة والحرية.
لا توجد ثورة يتيمة ما دام هناك شعب حي وصامد
الثورة السورية، آخر محطات الربيع العربي، تعود اليوم بحلّةٍ جديدة ومختلفة، أكثر انضباطًا وتنظيمًا، وهي الثورة التي كان هدفها الأساسي إسقاط النظام وبناء سورية جامعة لكلِّ أبنائها، سورية التي ترفض التوريث والاستبداد، سورية التي تحتضن الكرد والعرب والمسيحيين وغيرهم تحت مظلّةٍ وطنيّةٍ واحدة.
هذه دعوة إلى تحويل السجون، التي كانت رمزًا لقمع النظام، إلى متاحف ومدارس تحمل أسماء شهداء الثورة، لتكون شاهدًا على التضحيات، ولتعليم أجيال جديدة قيمًا تقبّل الآخر وتنبذ الطائفية، وتخرّج أجيالًا تؤمن بالديمقراطية وحرية التعبير وكرامة الإنسان وسيادة القانون كمبادئ حاكم، كذلك تضع الإعلام في خدمة الشعب وقضاياه، بدلًا من خدمة مصالح الطبقة الحاكمة أو تبرير استبدادها.
نتمنى ولادة سورية حرّة، يُسمح بها بالتظاهر وحرية للتعبير، أي سورية تحتكم إلى صناديق الاقتراع وسيلةً وحيدةً لاختيار قياداتها.
نتمنى ولادة سورية حرّة، يُسمح بها بالتظاهر وحرية للتعبير
لا نريدها محاصصة طائفية، بل نسعى لنظام يرتكز على الكفاءة والجدارة، حيث يتولى القيادة من هو الأكفأ والأجدر على جميع المستويات.
والأهم، بعد إسقاط النظام، توحيد جميع الفصائل وتوجيه جهودها نحو إعادة بناء ما دمّرته 13 عامًا من الحرب والاقتتال، ليعود الوطن حضنًا جامعًا لكلّ أبنائه. ويجب ألا ننسى الجولان، فهي أرض سورية وستظلّ كذلك، ويجب أن تعود إلى سورية، سواء بالتفاوض أو بالقوّة إذا استدعت الضرورة.
ختامًا، تحية إجلال وإكبار لكلِّ مناضلي الثورة وشهدائها: مي سكاف، مشعل تمو، غياث مطر، إبراهيم القاشوش، عبد الباسط الساروت، حسين هرموش وغيرهم من الذين كتبوا بدمائهم فصول هذه الثورة.
لا توجد ثورة يتيمة ما دام هناك شعب حي وصامد. ويبقى السؤال: هل ستقف شعلة الثورة عند حدود سورية؟
هذا ما ستشي به الأحداث في قادم الأيّام.