ملف| عن حماس والإسلام السياسي (27)

24 يناير 2024
+ الخط -

في سياق دعم المقاومة في غزّة، لاحظنا إقامة عدّة فعاليات من قبل قوى قومية ويسارية وعلمانية حضرت فيها رموز معروفة لحركتي حماس والجهاد، وهما حركتان محسوبتان على الإسلام السياسي من الناحية الفكرية. هذه الفعاليات مثيرة للانتباه بالنظر إلى حالة الصراع التي نعرفها في العالم العربي بين هذه القوى وقوى الإسلام السياسي، وخاصة المحسوبة على الإخوان المسلمين. 

مع عملية طوفان الأقصى، عاد موضوع الإسلام السياسي إلى واجهة التحليل نظرًا إلى الخلفية الإسلامية، الإخوانية تحديدًا، لحركة حماس التي أطلقت العملية. هذه العملية التي عرفت نوعًا من التوافق العربي والإسلامي الشعبي على ضرورة مساندة هذا الفعل المقاوم دون الاهتمام بالخلفية الفكرية لحماس (باستثناء جزء هام من النظام الرسمي العربي)، لأنّ مقاومة الاحتلال حق شرعي، ولأنّ نوعية العملية فارقة، وأعادت إلى الروح العربية والإسلامية شيئًا من الأمل والإيمان بالقدرة على التحرّر الحقيقي والفعل في الواقع الدولي. شمل هذا الدعم تقريبًا الجميع من مختلف الأطياف الفكرية والسياسية. مع ذلك ثمّة بعض الأصوات التي، مع انتصارها للعملية، كانت متحفظة ومذكرة دائمًا بالخلفية الإخوانية لحماس وارتباطها بخارطة الإسلام السياسي، ما يعنيه ذلك من  إمكانية تحويل الصراع مع إسرائيل من صراع سياسي إلى صراع ديني، ومن تخوّف من النزعة العسكرية لحماس، ومن ورائها مختلف حركات الإسلام السياسي.

يأتي ذلك في واقع عربي يشهد فيه الإسلام السياسي حالة من الجزر الشديد بين النخب والشعوب، خاصة بعد ثورات الربيع العربي التي انتهت في الكثير من البلدان بإزاحة الإسلام السياسي بالقوة التي وصلت حدّ القمع والمحاكمات واعتباره (الإسلام السياسي) قوة غير وطنية ضد شعوبها وبلدانها وأدوات بأيدي قوى كبرى.
هذا الوضع جعلنا بين مشهدين متناقضين لحضور الإسلام السياسي: مشهد أوّل فيه حماس ذات الخلفية الإسلامية الإخوانية، قائدة لعملية طوفان الأقصى، وتؤدّي دورًا تاريخيًا نوعيًا في عملها العسكري والسياسي والإعلامي والأخلاقي في مواجهة إسرائيل. هذه الصورة فتنت جزءًا من الأطياف السياسية غير الإسلامية في المنطقة العربية، ونظّم بعضها جملة من الفعاليات بحضور قادة حماس. صورة تلقى فيها حماس كلّ الدعم والمساندة، وتُسند لها كلّ الألقاب المحتفية بقدراتها ووطنيتها. المشهد الثاني للإسلام السياسي في بقية البلدان العربية تقريبًا، هو مشهد التيار الفاشل سياسيًا، المتاجر بالدين والجدير بكلّ ألوان الإقصاء والتهميش لأنّه لا خير يُرجى منه. صورة تعتبر أنّ الاسلام السياسي ظاهرة يجب أن تنتهي ويبقى المسرح السياسي لبقية الأطياف، وهو ما أعاد بعض الدول إلى دكتاتورية أشدّ قمعًا مما ألفناه في العقود الأخيرة.

هل يمكن البناء على إنجاز حماس لتعديل الموقف من الإسلام السياسي واعتباره جزءًا من المشهد السياسي للبلدان العرببة يمكن الاستفادة منه بالنظر إلى ما يمتلكه من إمكانات وقدرات؟

إذن، هما مشهدان لنفس العنوان مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار اختلاف سياقات الواقع والميدان بين حماس وغيرها من الأحزاب الإسلامية، ولكن ذلك لا يقلّل من أهمية المشترك بينها من الناحية الأيديولوجية، وهي الناحية ذات التأثير الكبير في بناء التصوّرات والرؤى والإنجاز.
من الأسئلة التي يمكن طرحها في هذا الموضوع، أي أثر يمكن أن يتركه موقع حماس اليوم على حضور الإسلام السياسي في المنطقة، وبين الشعوب العربية؟ هل يمكن البناء على إنجاز حماس لتعديل الموقف من الإسلام السياسي واعتباره جزءًا من المشهد السياسي للبلدان العربية يمكن الاستفادة منه بالنظر إلى ما يمتلكه من إمكانات وقدرات؟
هل يمكن لأحزاب الإسلام السياسي أن تعدِّل من نفسها لتنخرط في مشروع وطني جامع تتحالف فيه مع بقية الأطياف؟ هل الجميع، من مختلف الأطياف، على وعي بأهمية قوة الدول العربية ووحدتها الداخلية في دعم المقاومة الفلسطينية لتحرير الأرض، وأيضًا لتحرير بقية الأوطان العربية من أيّ ارتهان، وذلك بالاتفاق على مشروع وطني عليه أكثر ما يمكن من الإجماع الداخلي بما فيه طيف الإسلام السياسي؟
ماذا عن أهمية الخلفية الدينية والثقافية الإسلامية في شحذ الهمم لتحرّر الأوطان وبناء الدول القوية، هذه الخلفية التي وقع استثمارها زمن الاستعمار ووقع تهميشها، وحتى استبعادها، مع دول الاستقلال؟
لا شك أنّ الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها يفترض من الجميع الوعي بالمسؤولية التاريخية أمام الشعوب والعمل على تحقيق طموحاتها في التقدّم والتطوّر على كلّ المستويات، والحاجة الملحة إلى انخراط الجميع في مشروع وطني يحتاج إنجازه، بالضرورة، إلى الجميع.

مدونات
مدونات

مدونات العربي الجديد

مدونات العربي الجديد
النصّ مشاركة في ملف| غزّة لحظة عالمية كاشفة، شارك معنا: www.alaraby.co.uk/blogsterms