إسرائيل... دكتاتور العالم

05 يونيو 2024
+ الخط -

كثيرةٌ هي الدول التي عَرفت أنظمةً دكتاتورية، وهي الأنظمة التي تشتركُ في ما بينها في جملةِ ممارساتٍ، عنوانها القمع المطلق والعمل على السيطرة على كلِّ شيءٍ، ورفض أيّ موقفٍ معارض. وفي تاريخنا المعاصر، هناك نماذج كثيرة معروفة، منها نظام فرانكو في إسبانيا، وأوغستو بينوشيه في تشيلي وعدّة أنظمة عربية، وخاصة تلك التي سقطت مع ثوراتِ الربيع العربي.

ومن أبرز الممارسات المشتركة بين هذه الأنظمة، تنوّع أشكال التعذيب والقمع، والاعتداء على الذاتِ البشرية حدَّ الموت الذي يطاول كلّ المعارضين. ولا يتوقف التعسّف على المعارضين، بل يصل إلى عائلاتهم الصغيرة والموسّعة من نساءٍ وأطفال، حصارًا وتعسفًا، ويمتدّ من التعذيب البدني إلى الإرهاب النفسي والتخويف والإقصاء من العمل والحرمان من ممارسةِ أيّ عملٍ آخر، وهو ما قاد في كثيرٍ من الأحيان إلى الفقر والجوع.

يُضاف إلى ذلك ممارسة سياسةِ رقابةٍ معمّمةٍ وتجسّسٍ على الجميع، وخاصة على كلّ من يُشْتمُّ منه موقف مناهض للنظام، تجسّس متبوع بكلّ محاولاتِ التوظيف والترهيب لخدمةِ النظام، ولمنعِ أيّ موقفٍ ضدَّ النظام القائم. فالدكتاتور هو الذي يعذّب، ويقتل، ويحاصر، ويجوِّع حدَّ الموت، وهو الذي يريدُ أن يحكمَ بكلّ أدوات القوّة المتاحة المادية والمعنوية، وهو الجاسوس الأكبر على معارضيه وأصدقائه في آن واحد. هذا سلوك دكتاتور في بلد ما، لكن ماذا إذا كانت هذه الممارسات تُمارس على نطاقٍ عالمي؟ هنا نتحوّل من الحديث عن دكتاتور دولة ما إلى دكتاتور العالم، وهو موقع إسرائيل اليوم، الذي كشفته الحرب على غزّة. 

لا يكفي إسرائيل ممارسةَ ما تريد، بل تعمل على إسكاتِ كلّ صوتٍ منتقدٍ لسياستها

ما يقع في غزّة والضفة من طرفِ الكيان الصهيوني تجاوزَ كلّ الحدود، حدود القانون والخيال والإنسانية، وهو فريد منذ المحرقة النازية، في نوعه وحجمه. صحيح أنّ جزءًا هامًا من هذه الممارسات يقع على رقعةِ أرضٍ ضيّقة وشعبٍ محدّدٍ، ولكن هناك ممارسات أخرى، هي امتداد لما يقع في غزّة، مسّت العالم بأسره. فما يقع على الأرض من طرف إسرائيل يمثّل تحدّيًا لكلِّ العالم: دولًا ومؤسسات بمختلف أنواعها، مجلس الأمن والأمم المتحدة، المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، المحكمة الجنائية الدولية، التجمّعات الإقليمية.. وغيرها. وكأنّ هذا الدكتاتور، يقول للجميع كلّ كلامكم وقوانينكم وكتاباتكم وقراراتكم لا تعني شيئا. ولا يكفي إسرائيل ممارسةَ ما تريد، بل تعمل على إسكاتِ كلّ صوتٍ منتقدٍ لسياستها، وذلك بالردود العنجهية ومحاولة التأثير على الدولِ والمؤسّسات والأشخاص في كلِّ مكان. من ذلك مواقفها العنيفة من الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية كإسبانيا والنرويج وأيرلندا وسلوفينيا، وموقفها من بلجيكا التي اتخذت موقفًا مختلفًا عن الاتحاد الأوروبي بإدانة الممارسات الإسرائيلية، وموقفها من الأمين العام للأمم المتحّدة، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي وبعض النواب الأميركيين وبعض وزراء الدول الذين كانوا ضدّ الهمجية في غزّة والاستهداف المجنون للمدنيين، قتلًا وتجويعًا. 

ماذا يمكن القول أيضا عن موقفها (إسرائيل) من التحرّكات الطلابية وتدخلها لدى الدول المعنية لقمع مواطنيها من أجل إسرائيل ودفع أنصارها إلى تخريبِ هذه التحرّكات؟ ماذا يمكن أن نقول عن ما كُشف عنه من تاريخٍ أسود للموساد، تاريخ التجسّس وإرهاب المحكمة الجنائية الدولية على مدى سنوات؟ وماذا يمكن القول عن محاولات أنصارها في كلِّ الدول منع التظاهرات والمؤتمرات والكتب ومحاصرة الشخصيات الداعمة للقضية الفلسطينية من كتّابٍ ومفكرين وسياسيين وناشطين من مختلف المجالات؟ أين نصنّف موقف وممارسات إسرائيل تجاه الصحافة والصحافيين، وما عرفه هذا القطاع من قتلٍ واعتقالٍ ومنعٍ من العمل؟

إنّها الممارسات الدكتاتورية بعينها، بل في أبشع صورها، وهي تطبّق على العالم بأسره الذي تتعامل معه إسرائيل، كأنّه مزرعة خاصة، لا مكان فيها لأيّ رأي مخالف لما ترى، وكلّ شيءٍ في العالم يجب أن يكون على مقاسها، كما يفعل الدكتاتور. والغريب أنّ العالم، وخاصة الدول صاحبة التأثير تتصرّف كشعبٍ مسكين ينفّذُ ما تأمره الدولة الدكتاتور، وتحاول دائمًا تبرير كلّ ما يفعله الدكتاتور، وفي أحسن الحالات تصمت أمام جرائم أكثر من بيِّنة.

ما يجمع الدكتاتوريين هو التسلّط في اطمئنان تام إلى قوّتهم، وما يجمعهم أيضا أنّهم لا يتعلمون من التاريخ الذي يقول بأنّهم كلّما طغوا كلّما اقترب موعد خروجهم، والأمثلة متعدّدة في التاريخِ، البعيد والقريب.