في مجالس شيخي الحكيم
عبد الحفيظ العمري
شيخي رجلٌ طاعنٌ في السن، لكنه خَبَرَ الناس، وعَلِمَ تقلبّات الزمان، وله في الحكمةِ باعٌ طويل، وأنا أزورهُ بين الفينةِ والأخرى لأتزوّدَ من حكمته. هو معتكفٌ في خلوته يتعبّد بالتفكّر، ويرى أنّ تلك العبادة أهملها كثيرٌ من الخلق. وهنا أوردُ بعضاً مما دار في مجالسه.
(1)
سألتُ شيخي: متى يصلحُ حالنا؟
قال: ماذا تعني بصلاح الحال؟
قلتُ: أن نكونَ، نحن المسلمين، مثلَ بقية خلق الله في أوضاعنا؛ دول مستقرة، وتنمية و...
قاطعني بقوله: تعني بقولك صلاح الدنيا؟
قلتُ: نعم.
قال: أولاً: منْ قال إنّ المسلمين اليوم أمّة واحدة؟، ألا تراهم منقسمين إلى دول وجماعات؟!
قلتُ: بلى.
قال: وكلّ دولة تدور في فلك لوحدها، وكلّ جماعة ترى أنّها الناطق الحق باسم الإسلام!، لذا لن يصلح حالنا إلا إذا علمنا أنّنا أمّة واحدة، لا تفرّق بيننا حدود مصطنعة ولا قيود كبّلنا أنفسنا بها.
قلتُ: ولكن الآخر يتآمر علينا، ولا يريد لنا خيراً.
قال: إنْ كنتَ تعني بالآخر الغرب أو الشرق، ممنْ ليسوا على ملّة الإسلام، فاعلم أنّهم ما كانوا ليفعلوا بنا شيئاً لو كنّا نحن لم نتآمر على أنفسنا!
قلتُ مستغرباً: وكيف نحن نتآمر على أنفسنا؟
قال: بُنيّ، كلمة أنفسنا تعني نحن، الأمّة الواحدة، ألا ترى الدسائس التي يكيدها بنو الإسلام لبعضهم البعض؟ إنّ من بني جلدتنا، من أهل ملّتنا، منْ هو أشدّ عداوة علينا من شرق أو غرب أو...
قلتُ في خفوت: صحيح.
قال: أمّا حكاية تآمر الشرق أو الغرب علينا، فلستُ مع تضخيم نظرية المؤامرة، ولا نفيها، فما أراه أنّ هؤلاء القوم من شرق وغرب يبحثون عن مصالحهم بوسائلهم التي انبثقت من أفكارهم، سواء في مكيافيلية مفرطة، حيث الغاية تبرّر الوسيلة، أو داروينية جامدة؛ حيث البقاء للأصلح؛ أو نيتشوية مفترسة، حيث البقاء للأقوى، وغيرها.
اللوم كلّ اللوم، ليس على منْ يبحثون عن مصالحهم، بل اللوم على منْ لا يعرفون أين مصلحتهم!
اليوم يتبع الغرب دين البراغماتية؛ لذا تجده مع مصلحته دوماً، سواء ظهر لك أنّه ضدك أو أنّه معك! واللوم كلّ اللوم، ليس على منْ يبحثون عن مصالحهم، بل اللوم على منْ لا يعرفون أين مصلحتهم!
قلتُ: وهذا الأخير هو نحن!
قال: نعم.
واستطرد يقول: تذكّرْ بيت الشاعر العراقي عبدالرزاق عبدالواحد:
لن أسألَ الأعداءَ ما فعلوا بنا ... فعلُ العدوِّ مفسّرٌ بعدائِهِ!
(2)
مما أدركت من أقوال شيخي الحكيم:
"القلوب أقفالٌ مُصنْدَقَة، والرفق مفاتيحها، فترفّقْ بنفسك وبالناس، تَجزْ قلوبهم، وتُرحْ نفسك!".
(3)
مما أوصاني شيخي:
إيّاك والظلم، فإنَّ العدلَ أساسُ الكون كلّه، لا المُلك فقط. فالكون تنتظم أموره بالعدل، من الذرة حتى المجرّة، فإنْ صرتَ ظالماً، عن علم، لا سمح الله، فاعلم أنّك قد أصبحتَ خارجاً عن ناموس الكون، وويلٌ للخارجين من بطش ربٍّ جبّارٍ ذي انتقام، حرّم الظلم على نفسه وجعله محرّماً على الخلق، فمنْ أنت، يا أيّها المخلوق من ماء مهين، حتى تتجاوز هذا التحريم بغرورك؟!