شعوب تسكن الهاوية
عبد الحفيظ العمري
أين نحن؟
بصراحة، لا ندري. بل وكلّ ما نعرفه أنّنا لم نعد نتجه إلى الهاوية. وهنا أرجو ألّا تظنّوا أنّنا نجونا، أو قد ننجو، كما يردّد الكاتب فتحي أبو النصر دوماً، لأنّنا صرنا في الهاوية نفسها!
هنا، في الهاوية، نترنّح ذات اليمين وذات اليسار، كما ظللنا نترنّح طويلاً، خارج الهاوية. ولا مشكلة إذن من بعض "المرجيحات" في الهاوية أيضاً!
والمشكلة الكبرى اليوم أنّنا لم نعدْ ندري. ففي عالمنا العربي، وفي حقبتنا المعاصرة، كلّ ما لدينا دُمى يسيّرها ريموت كونترول من خارج الحدود، هي ليست بدمى مسالمة، بل تعيثُ في الأرض خراباً، وهذه مهمتها. بل، وربّما تلك هي وظيفتها لكي نستقرّ في قعر الهاوية التي دخلناها ذات زمن. ورجاءً لا تسألوني متى دخلناها؟ لأنّنا في حقبة "لا ندري"! وأعتقد أنّنا لم ندخلها، بل سقطنا فيها سقوطاً أسرع من عجلة الجاذبية الأرضية، وبما يخالف كلّ قوانين الفيزياء.
لا تستغربوا. نعم لا تستغربوا، نحن شعوب تخالف كلّ القوانين، فلمَ لا نخالف قوانين الفيزياء؟ وبصراحة، نحن شعوب بلا قوانين. حتى أعراف القبيلة، وهي القوانين غير المكتوبة كما يسميها صديقي محمد الهيصمي، هي الأخرى نبذناها؛ لأنّ القانون يكبّلنا بقواعد ومتلازمات وضوابط وكثير من التعاريف والمسلمات والبراهين حتى نصل إلى القانون، وهذا متعب لنا، فنحن مجرّد شعوب تريد أشياء جاهزة مثل الرواتب آخر الشهر، وذلك نظير دوام لا يقابل يوماً قياسياً واحداً.
هنا، في الهاوية، نترنّح ذات اليمين وذات اليسار، كما ظلّلنا نترنّح طويلاً، خارج الهاوية
نعم. نحن شعوب لا تدري، ولا تريد أن تدري، وربّما أنّها لا تدري أنّها لا تدري. قد تقولون لي هذا جلد للذات يكتبه مثلك وأنت من أنت... إلى آخر هذا الهذر الذي يتم ترديده دوماً. لكنّني أقول: عن أيّ ذات تتحدثون في حقبة "لا ندري" التي تتصدّر تاريخنا المعاصر؟!
يخبرنا الدكتور مروان الغفوري عن أنّ "الأسوأ لم يحدث بعد"، فيقول: "ها نحن نعتاد على الدم اليمني، وعلى البؤس اليمني، وعلى شروط اللعبة القذرة التي تجري". حقاً، إنّها لعبة لا تُبقي لنا ذاتاً ولا كياناً، بل ها نحن نصبح غنيمة لتجّار الرؤوس، كما كان يحدث في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، إذ يحدّثنا الدكتور مصطفى محمود في أحد كتبه عن تجّار الرؤوس، فيقول: "تاجر رؤوس في الحرب الأهلية اللبنانية عنده عصابة من القناصة تقتل المارة في الشوارع من على رؤوس العمارات لحساب هذه الطائفة أو تلك، وفي النهاية يقبض الثمن بالدولار".
هذا هو مآلانا في حقبة "لا ندري"، حيث شعار هذه الحقبة، هو ما قاله شاعرنا الكبير عبد الله البردوني ذات يوم:
فظيعٌ جهلُ ما يجري … وأفظعُ منه أن تدري.