غضب على الطريقة الفرنسية

23 أكتوبر 2022
+ الخط -

أفتح قناة الأخبار، فأسمع حسيس أزمة متنامية بين بلدي المغرب وفرنسا؛ بدأت مع تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة للدخول إلى فرنسا. ومع سحب السفيرة الفرنسية من الرباط، دون إعلان ذلك رسمياً، ظهرت الأزمة إلى العلن بعدما كانت بكماء، صامتة تضع نقاباً من التكتم والتعتيم، وتتضمن ضرباً من إجراءات متبادلة من قبيل سحب السفيرين وإلحاقهما بمناصب جديدة حساسة دون تعويضهما.

بعدها، أتصفح جريدة إلكترونية. فأطلع على دراسة تؤكد أن الأساتذة سجلوا تراجع مستوى التلاميذ في المواد العلمية منذ بدء تدريسها باللغة الفرنسية.

أرجع إلى الصفحة السابقة المختصة بالاقتصاد؛ لأكتشف أن شركة "توتال"، المملوكة للدولة الفرنسية، حققت أرباحاً في السنوات الأخيرة بالمغرب أكبر من أرباحها في بلدان أخرى. ثم أراجع الأخبار المتناثرة في وسائل التواصل الاجتماعي فأطلعُ على أسماء شخصيات سياسية شهيرة في بلدي تسافر للتداوي بمستشفيات فرنسا والتبضع من المحلات الفاخرة في باريس.

هذه المهمة السيزيفية في حد ذاتها ينبغي أن تشفع للمغرب عند فرنسا كل زلاته الدبلوماسية إن وجدت

أقف مشدوهاً أمام صورة العبث الصارخ، محاولاً استيعاب ما يقع. هل هي أزمة حقيقية عميقة بين البلدين لها تبعاتها البعيدة أم أن الأمر يتعلق بمجرد خصام عُشاق سرعان ما سيتلاشى؟

أتوقف لحظة حائراً، لا أدري من أين أقبض على خيط الحكاية. أختار البدء من مكاني داخل حجرة الدرس، معتبراً أن تعميم التدريس بالفرنسية قرار تسبب بإضافة عبء ثقافي أثقل وأعقد على حمل تربوي معقد أصلاً، يسارع التلاميذ المساكين بجهد لمقارعته.

هذه المهمة السيزيفية في حد ذاتها ينبغي أن تشفع للمغرب عند فرنسا كل زلاته الدبلوماسية إن وجدت، وتشرع غضبته على تحامل قصر الإيليزيه، منذ أن انزاح صناع السياسة بالرباط نحو واشنطن مع القرار الرئاسي لترامب القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. تلك الصفقة المشؤومة التي كان مهندسها جاريد كوشنر الصهيوني، صهر ترامب.

هذا الارتماء في أحضان الولايات المتحدة، هذه الأمركة التي مست سياسيي المغرب في هذا الملف الحساس يبدو أنه أثار بذور الغيرة في نفس فرنسا.

فعفواً يا فرنسا فلقد استعمرتنا مدة، لكننا مغاربة بالضرورة، ولتسألي مونتسكيو في هذا الصدد، حتى يشهد شاهد من أهلها.

دلالات