الهجمة الغربية على مونديال قطر... العودة البائسة إلى "الثقافة"

02 ديسمبر 2022
+ الخط -

قبل أيام، وبعد فوز المنتخب الإيراني لكرة القدم على منتخب ويلز، ضمن مباريات كأس العالم المقامة في قطر، سأل مذيع في شبكة بي بي سي البريطانية، أحد أشهر لاعبي المنتخب الألماني عبر التاريخ، يورغن كلينزمان، عمّا وصفه بـ"ألاعيب الفريق الإيراني"، في إشارة إلى تعامل اللاعبين الإيرانيين مع حكم المباراة. رد كلينزمان بشكل مباشر: "نعم، هذه هي ثقافتهم". وأكد عبر مداخلة شاهدها الملايين أنّ الاحتيال والتضليل جزء من الثقافة الإيرانية.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تمّ فيها استخدام اصطلاح "الثقافة" بهذا الشكل في الأسابيع الماضية. خاضت وسائل الإعلام الغربية حملة واسعة للتشكيك في أهلية قطر لاستضافة كأس العالم، وسعت هذه الحملة بشكل ضمني أحيانا، وصريح في أحيان أخرى، إلى إدانة ما تقول إنه "ثقافة" معادية للمثليين والمرأة بشكل جذري. نادراً ما تحدّثت وسائل الإعلام عن سياسات قطر، وغالباً ما كان الحديث عن الدولة نفسها، "الصغيرة المسلمة" حسب تعبير عدّة وسائل إعلام بريطانية. وكما يحدث غالباً في معظم الحملات الأيديولوجية في الإعلام الغربي، غاب الفرق بين السياسات والناس والمجتمع والدين.

تسلّط هذه الحملة المثيرة للجدل الضوء على العلاقة المعقدة بين الاستشراق و"الثقافة"، كما جادل منظرون عديدون في دراسات ما بعد الاستعمار، على رأسهم عالمة الأنثروبولوجيا الفلسطينية الأميركية ليلى أبو لغد. يرتبط مفهوم "الثقافة" بتخيّل سياسي حديث وإشكالي بأنّ هناك نمطاً من الأعراف والقوانين الضمنية التي تحكم حياة مجتمع ما بشكل صارم. لكن ما هو أخطر من ذلك، كما تشير أبو لغد، هو أنّه غالباً ما يتم استخدام مفهوم "الثقافة" عندما يتعلق الأمر بالشعوب الأخرى البعيدة عن المركز الأوروبي، وغير البيضاء.

وبشكل خاص، فإنّ مفهوم الثقافة بدأ يرتبط في العقود الأخيرة بشكل حصري تقريباً بالتمثيلات الغربية للإسلام. وعلى هذا النحو، فإنّ جرائم العنف ضد النساء في بلد مسلم مثلاً، ترتبط بشكل تلقائي بثقافة أو دين ما، بينما تحدث نفس الجرائم في الغرب، وتُحال بشكل تلقائي إلى أفراد مختلين نفسياً أو حالات استثنائية أو طوائف منعزلة.

إن كان لا بد من حديث عن ثقافة تستحق الإدانة، فهي ثقافة الاستعلاء العرقي الغربي، والإسلاموفوبيا، والمركزية التي تصل إلى حد عبادة الذات

إن هذا الاستخدام الانتقائي لمفهوم الثقافة يخدم أحد أساسات الاستشراق، أي تمثيل الآخرين كمجموعات متجانسة وغريبة بشكل كامل أنطولوجياً ووجودياً. في هذه الصورة، إنّ المركز الغربي يبدو كمجموعة من الأفراد العلمانيين والنقديين المختلفين، بينما يتم تمثيل "الآخرين" باعتبارهم متجانسين تابعين عمياناً لثقافات وأديان. 

لا يفترض مفهوم الثقافة وجود مجموعة متجانسة فقط، ولكن يفترض أن هذا التجانس عابر للزمن، لم يتغيّر عبر التاريخ، بحيث تجد صحافياً أو باحثاً غربياً يحاول تفسير سلوك معاصر معيّن في مجتمع مسلم من خلال العودة إلى نصوص أو أحداث من التاريخ. ولذلك، فإنّ شخصاً مثل كلينزمان على سبيل المثال، يرى أن حدثاً أو نصّاً عمره مئات السنين يصلح لتفسير سلوك مجموعة كاملة من البشر، لكنه لا يرى أنه كفرد مرتبط أيّ ارتباط بتراث طويل من العنصرية والنازية في موطنه. وبهذه الطريقة يتم تمثيل المركز الغربي على أنه "كلٌّ" تشكله ذوات فردية وعلمانية تعيش في زمنها الراهن، في لحظة الحداثة اللانهائية، أما "الآخرون" فذوات ثقافية ودينية تعيش في التاريخ.

لكن المفارقة الكبرى كانت أنّ كأس العالم أظهر عن قصد أو بدونه، التنوّع الكبير للمسلمين والعرب، أما المركز الأوروبي بإعلامه، فبدا متجانساً مكرّراً، يعيد نفس الدعاية والخطاب، وكأنه إعلام دولة ديكتاتورية، تقرّر فيها المخابرات ما يرد في نشرة الأخبار.

من تصريح كلينزمان، إلى تصريحات نجم ألماني آخر هو ساندرو فاجنر، الذي وصف مشجعين بالثوب القطري بأنهم يلبسون "أردية استحمام بيضاء"، ثم تصريحات صحافي فرنسي سخر من انتشار المساجد في قطر، وصحافيين بريطانيين علّقوا بشكل مسيء على صوت الآذان، يظهر كأس العالم، أنه إن كان لا بد من حديث عن ثقافة تستحق الإدانة، فهي ثقافة الاستعلاء العرقي، والإسلاموفوبيا، والمركزية التي تصل إلى حد عبادة الذات.