هل السياسة بريئة من الكوارث الطبيعية؟
مع كلّ كارثة طبيعية تمرّ بها إحدى دول جنوب العالم، يُطلّ علينا المسؤولون الغربيون المتحمّسون، بنبرة لا تخلو من الحزن والتفاجؤ الغريب، ليعربوا عن تضامنهم مع عائلات عشرات الآلاف من الضحايا، ودون أن يشعروا بأيّ تناقض، يضيفون أنّ الكوارث الطبيعية لا تعرف الحدود، وكلّ منّا عرضة لمثلها.
كانت هذه المقولة، ومقولات أخرى شبيهة، حاضرةً بشكل كبير في كلّ حديث دولي يدور عن أزمة المناخ المقبلة، التي قد تهدّد، في حال تفاقمها، بمقتل عشرات الآلاف أيضًا. لكن ما لم يدركه المسؤولون الغربيون أنّنا بالتأكيد لا نواجه مخاطر الأزمات الطبيعية بنفس الدرجة كما يعتقدون، لا أدلّ من ذلك على تصاعد أعداد الضحايا بشكل كبير في ليبيا والمغرب، وقبلها في سورية.
خلال تحذيره من أزمة المناخ المقبلة، قال كبير مسؤولي المناخ في الأمم المتحدة، سايمون ستيل، إنّ محاربة الأزمة تحتاج إلى "تعاون عابر للحدود"، دون أن يلتفت المسؤول الأممي إلى أنّ المصانع الموجودة في عشرات الدول في شمال العالم، تنتج أضعاف كمية الإنتاج في دول الجنوب العالمي بأكمله، وهي مسؤولة عن افتعال الجزء الأكبر من الأزمة المناخية التي يتحدّث عنها.
على الرغم من أنّ السرديات البيئية الغربية السائدة تدّعي أنّنا عرضة لمخاطر هذه الكوارث بشكل متساوٍ كبشر نعيش على هذا الكوكب، إلا أنّ أماكن وجود الكم الأكبر لطالما عكست النقيض العملي لهذا الادعاء، وأظهرت أشكال اللامساواة العميقة التي نعيشها، من خلال تقسيم العالم إلى مناطق محصنة ببنية تحتية قابلة للعيش، وأخرى هشّة قد تودي فيها الهزات الأرضية والفيضانات بحياة عشرات آلاف القتلى والجرحى.
البنية التحتية المتهالكة والنظام الصحي المهترئ وشح الإمكانات في دول الجنوب العالمي لا تنفصل عن التاريخ الاستعماري لهذه المناطق
تفتح هذه الكوارث الطبيعية، على غرار ما حدث في المغرب وسورية وليبيا، أو حتى ما حدث مع انتشار وباء كورونا في العالم العربي، أسئلة في غاية الأهمية حول تورط السياسة في هذه الكوارث، بالتأكيد ليس من خلال افتعالها، لكن من خلال تحصين واستعداد مناطق كاملة لمواجهتها، مقابل تهميش مناطق أخرى، لتكون أعداد الضحايا الكبيرة دائماً، وللمصادفة البحتة، تتركز في المناطق الأكثر فقراً من العالم.
تشير العديد من أدبيات ما بعد الاستعمار إلى أنّ البنية التحتية المتهالكة والنظام الصحي المهترئ وشح الإمكانات في دول الجنوب العالمي لا تنفصل عن التاريخ الاستعماري لهذه المناطق، إذ كان تاريخ التدخل الغربي في الوطن العربي بشكل خاص، وفي جنوب العالم بشكل عام، بحسب العديد من الأدبيات، سبباً في خلق اقتصاد هشّ تابع للمركز الغربي، بعيد عن أيّ مقومات أساسية للحياة، وغير جاهز لاستقبال أيّ كارثة طبيعية، على عكس البنايات السكنية المجهزة بأحدث أنظمة الاستجابة في المركز الغربي.
تُظهر أعداد الضحايا المتصاعدة في المغرب وليبيا أنه إن كان لا بد من حديث جدي أممي حول أزمة المناخ المقبلة، فإنّ ما يجب أن يقرّ به المسؤولون الأمميون، قبل تعاطفهم مع ضحايانا، أنّ تاريخهم الاستعماري كان سبباً مركزياً في موتنا، وأنّنا بالتأكيد لا نواجه أزمات المناخ بشكل متساو، كما أنّ العمل على الحدّ من أعداد ضحايا الكوارث الطبيعية يجب أن يُقرّ وينطلق من هذا الفهم.