التسوق الإلكتروني
كندة، شابةٌ خريجةٌ جامعية، تشتري مواد وخاصةً الألبسة والحقائب النسائية وكافة أنواع مستحضرات التجميل، تعرضها على صفحةٍ خاصةٍ أنشأتها على حسابها في الفيسبوك تمهيداً لبيعها. السمةُ العامةُ لحركة الترغيب أو الإعلان في صفحة كندة هي الأوصاف المطلقة مثل: "بيجنن، آخر موضة، لم يتبقَّ منه إلا قطعةٌ واحدة"، وتستخدم بشكلٍ متكررٍ عبارة "عرض لا يُقاوم". وتؤكد كندة أن القطعة المباعة ستصل إلى صاحبته فوراً!
ربما تستفيد من سرعة الوصول كونها في مدينة حمص وسط سورية وشركات النقل متوفرة، وربما تشير بصورة غير مباشرة بأن صاحبة القطعة المشتراة ستوفر أعباء النزول إلى السوق وتفقد البضائع المعروضة، كما ستوفر أجور النقل الباهظة وتتفادى صعوبة تأمين وسائل نقل أيضاً. وكما في غالبية مواقع التسوق الإلكتروني، فإعلان السعر مرهون بطلب خاص من المشتري، أو من سيصبح المشتري. تشتري لونا بعض القطع من كندة وتقول: "طريقة العرض تمنعني من التردد، ولدي قناعة بأن كندة صاحبة ذوقٍ رفيعٍ وهي ترتدي نفس الملابس التي تعرضها!". بمعنى آخر، فإن الدائرة الضيقة المحيطة بكندة تشعر بالثقة حيال عروضها، ويبقى السعر الأصلي مجهولاً، وتبقى أيضاً صولات وجولات كندة مع الأسعار والتلاعب بها ورفعها أو تخفيضها عمليةً تجاريةً خاصةً تدور رحاها بين كندة وعقلها لا غير.
اللافت في الأمر أن كندة صارت قدوة، وفتيات سوريات كثيرات يرغبن بتقليدها، ومن تعجز عن ذلك تغبط كندة وتشعر بالحسرة لأنها لا تمتلك مهارة كندة أو الأرضية المالية مهما كانت بسيطة لتعلن الإقلاع في مشروعٍ مماثل. تحول التسويق الإلكتروني والشراء عبر الإنترنت إلى فرص عمل مربحة للكثير من الشابات السوريات، بالطبع المشاكل موجودة دوماً، لكن الحزم والمرونة وتقبل بعض الخسارات القليلة يمنح هذا العمل فرصةً للاستمرارية ولتأمين دخلٍ مادي مرتفع ومرضٍ.
لكن في جهةٍ أخرى من الأرض، تصر سلمى على تقديم نصائح متكررة للكثيرات للابتعاد عن التسوق عبر الإنترنت، تقدم أمثلةً عن قطعٍ وصلت متأخرةً جداً، بقماشٍ سيئ أو على الأقل يخالف النوعية المعروض فيها، أو أن المقاسات لا تتطابق مع المقاس المطلوب، لدرجة جزمت سلمى في بعض الحالات بأن ما وصلها كان أقرب إلى ملابس البالة وفي أحسن الأحوال "second hand" كما هو متعارف عليه في أوروبا.
يبدو جلياً أن فكرة الراحة المتحصلة من الشراء عبر الإنترنت تصنع فرقاً، وخاصةً وصوله إلى عتبة بيتك، ويؤكد البعض أنه وببساطة يمكن تبديل القطع التي لا تحقق شروط الطالب، إضافة إلى الفارق في الأسعار ما بين ما يعرض على صفحات التسويق الإلكتروني وما بين المعروض في واجهات المحال التجارية.
لكن بتعمق تفصيلي أكبر يبدو الدافع الأكثر تحفيزاً هو غياب التردد! أي أنك وبمجرد تعرفك إلى القطعة أو رؤيتك لها تفقد ترددك حيال شرائها! رغم تفكيرك المسبق ربما بشراء قطعةٍ مماثلة لكن وفي حينها كانت الغلبة للتردد الذي حسم عملية الشراء وأوقفها بصورةٍ مطلقة.
ثمة عمليات تسويق أكثر بساطةً وبدائية، تلجأ إليها بعض السيدات السوريات عبر عرض منتوجاتهن اليدوية، وخاصةً المربيات والحلويات والفواكه أو الخضار المجففة، للبيع على صفحات الفيس، لكن وللأسف لم ينتج من هذه المحاولات ما يمكن تسميته تسويقاً إلكترونياً، لأنه يواجه عقبة التوصيل أولاً، وعقبة تقبل نكهة أو شكل المنتج الحقيقي لأنك عاجز بسبب بعد المسافات عن تذوقه، كما أن تلك المبادرات لم تدم طويلاً ولم تحقق مورداً مستمراً وكافياً للسيدات، ويروي البعض تجارب إيجابية، بينما يطرح البعض تجارب بالغة السوء.
كي يكتسب التسويق الإلكتروني بعده الإنتاجي والربحي، توجد حاجةٌ كبيرةٌ وفعلية لتذليل صعوباته الكبيرة رغم سعة الانتشار.