نحن اليوم عربيا، أمام مشهد عربي مؤلم يظهر تحرّكا في الاتجاه المعاكس لحركة التنسيق والتعاون، نحو مزيد من التشظّي والانقسام والتباعد بين أصحاب الهم المشترك، ومزيد من التطبيع مع الدولة العنصرية القابعة على صدر الشعب الفلسطيني الأبي.
النخب السياسية الحاكمة والنخب المثقّفة التي تشاركها في واقعيتها السياسية ما زالت عاجزة عن فهم العلاقة بين الحق والقوّة، رغم كل الإخفاقات التي واجهتها على مدار قرن بسبب منظورها "الحسابي" الضيّق الذي يتجاهل بعداً في الصراع بين مطالب الحق وعجرفة القوّة.
لا يمكن فهم الهجرات المتزايدة من دول الجنوب إلى الشمال إلا في ضوء السياسات العالمية التي تمارسها القوى الدولية الكبرى، أو السياسات المحلية التي تدعمها وتروجها داخل الدول النامية. وفي مقدّمتها سياسات الاستثمار والإقراض، ناهيك عن الحروب والتدخل العسكري
في اللحظة التي اعتقدت فيها الحركة الصهيونية أنها استطاعت ترويض الدول العربية واستبعاد خطر الدخول في صراعات عسكرية معها، ظهرت الانقسامات الإسرائيلية الداخلية إلى العلن، من خلال الانقسام الواضح والكبير اليوم بين اليسار واليمين الصهيونيين في إسرائيل.
إخراج سورية من أزماتها الخانقة التي وصلت، أخيرا، إلى عمق حاضنة النظام يتطلب تغييرا حقيقيا يبدأ بتحرير الوطنيين المعتقلين في سجون النظام، وإعادة المهجّرين، ومنهم الصناعيون وأصحاب التجارة والأعمال، للمساهمة في بناء الحياة وتعمير الأوطان.
المساعي المبذولة لإضعاف الشعب المصري، وشعوب الربيع العربي، تسرّع في انهيار منظومة حكم الفرد والفئة والطائفة، وجهود تأخير الإصلاح الضروري ستجعل الإصلاح القادم أكثر عمقا وأبعد امتدادا لإعادة مصر لتلعب دورها الرائد في إخراج المنطقة العربية من الكابوس.
مع غياب الحوار الجادّ العميق، يمضي الإنسان العربي، منذ عقود طويلة، حياته وهو يسعى إلى كسب لقمة عيشٍ تبقيه على قيد الحياة، لكنه يبقى عاجزا عند طرح الأسئلة عن معنى الحياة العامة والنظام السياسي والقانون الحاكم وممارسة السلطة والاستئثار بالثروة.
الاعتماد على الخطاب السياسي المجرّد وغياب الجهود الحقيقية لتحقيق حالة من التشاور والتعاون والتكامل بين قوى المعارضة السورية ما زال هو محل ضعفها والمدخل إلى تفتيت جهودها وتوظيفها في خدمة مشاريع إقليمية ودولية، لا ناقة لها فيها ولا جمل!
أنهت ثورات الربيع العربي المرحلة الأولى من الجهد الضروري للتحرّر من الاستبداد، ووضعت التدافع في المنطقة العربية في شكله الصحيح، بين شعوبٍ مصرّة على تقرير مصيرها ونخب حاكمة تتحرّك وفق مشروع دولة ما بعد الاستعمار.