نأمل أن تتجاوز الطبقة السياسية التونسية والنخب الثقافية والفكرية الموروث القديم للمفاهيم السياسية المتخلّفة، وأن ينخرطوا قولاً وفعلاً في ممارسة سياسية عقلانية تقطع مع مواريثهم السياسية القديمة، وأن ينخرطوا في عملية ديمقراطية وطنية يكون مآلها وحدة مقدّسة.
واقعة الجمل أو حطّين، لم تكن لترسيخ قيم دينية أو عقائدية، كما لم تكن لحماية حدود الدولة الإسلامية من عدوّ خارجي، بل كانت لتثبيت السلطة السياسية لأحد طرفي النزاع.
علينا أن نتخفّف من أعباء الماضي، وأن نعترف أنّ تاريخنا وحضارتنا أصبحا ركاماً يعيق سلاسة حركتنا، وأنّ علينا أن نعيد ترتيبها بشكلٍ لا يُفقد المقدّس قداسته، ولا يضفي على غير المقدّس مسحة من القداسة، تمنعنا من الخوض فيه وتشريحه.
من يرفعون شعار برنامج الثورة، بدلاً من أن يصدّعوا رؤوسنا ببرامجهم الإنتخابيّة الخاوية على عروشها، والتي لم تقدر على تحقيق شيء منها، عليهم أن يفكروا في سياسة ثقافية جديدة، بمضامين ترتقي بالذّوق العام، وترتقي بسلوك الفرد إلى درجة المواطنة.
أمام هذه الأرقام المفزعة، يفترض أن تجتمع الأحزاب والمنظمات الوطنية لإنقاذ وطن يوشك أن يتهاوى على رؤوس الجميع، وهم قادرون، إذا تخلّى كلّ منهم عن المكابرة السياسية والإيديولوجية والفئوية المقيتة التي سيدفع ثمنها الجميع، لا قدر الله.
يبدو أنّنا انخرطنا بوعي أو بغير وعي في استعمال منتجات الحداثة المتطورة في الجوانب الإقتصادية والتجارية والمادية عموماً، من دون أن نهيء أنفسنا من النواحي التربوية والثقافية، ونحن اليوم نحصد ثمرة خيارات سياسيات خاطئة، طالما طبّل لها المطبّلون.
علينا أن ندرك أنّ التقدّم والرّقي لا يمكن أن يكون نفيسا وذا قيمة مضافة، إلا إذا كان قاسماً مشتركاً بين جميع أفراد الشعب في إنجازه، كما في مآلاته النّفعيّة، وحين أقول الشعب فإنّي أحيّد كلّ المفاعيل الإيديولوجية يميناً ويساراً ووسطاً.