15 ابريل 2017
تاريخنا... والأسئلة المؤلمة
بشير ذياب (تونس)
لكل مرض مزمن نعاني منه اليوم جذور في عمق تاريخنا القديم، وتكون قوّته وشدّته بقدر قدمه.
لست هنا في وارد تعداد أزماتنا العربية، لأنها أكبر من أن يحاط بها، لكن أريد أن أقف على مرض واحد ينخر الجسد العربي منذ الجاهلية، وهو "آلية انتقال السلطة"، أزهقت بسببه، ولا تزال، أرواح الملايين بعناوين مختلفة، وحملت فيها رايات مختلفة.
في الجاهلية، قامت حرب البسوس بين قبيلتي بكر وتغلب المتجاورتين، لتتواصل 40 عاما، وما يذكر في سبب هذه الحرب المدمّرة أنها قامت من أجل ناقة البسوس التي نحرها كليب، في حين أنّ الأمر يعود إلى أن كليب أراد أن يغيّر نظام الحكم، وأن يقيم دولةً يحتكم فيها للقانون، ولها حدود لا يجب المساس بها، وأن يكون هو الملك أو الرئيس لهذه الدولة، وأن ترسم حدود الدولة، حيث يسمع نباح كلاب القبيلة، وأن لا توقد نار مع ناره، وأن لا تسقى إبل مع إبله.
لم تلاق هذه القوانين الجديدة التي أراد كليب أن يفرضها لابن عمه جساس الذي رأى فيها إستئثارا بالسلطة والجاه، وتقييداً لحركة الناس. ومن هنا، انطلقت المناكفة والتمرّد على قوانين الملك الجديد، ولم تكن حماية جسّاس ناقة البسوس، إلا في إطار التمرّد على سلطة كليب، فحرب البسوس لم تكن بسبب عش القبرة أو الناقة، بل كانت لأسباب سياسيةٍ، وهي السلطة والنفوذ.
أما في التاريخ الإسلامي، فأول قضيةٍ أثيرت، بعد موت الرسول الكريم، لم تكن من أجل تثبيت الدّين والعقيدة، بل كانت أيضا سياسية، وقصّة سقيفة بني ساعدة تقوم شاهداً تاريخياً على أزمة انتقال السلطة عند العرب والمسلمين، ولئن استطاع الخلفاء الراشدون تجاوز هذه الأزمة، بطرق مختلفة واجتهادات متباينة، لم ترتق لمستوى آلية انتقال للسلطة في دولة الخلافة، فإن حكاية معاوية، كانت تماماً من الناحية السياسية نوعا من ناقة البسوس، فواقعة الجمل أو حطّين، لم تكن لترسيخ قيم دينية أو عقائدية، كما لم تكن لحماية حدود الدولة الإسلامية من عدوّ خارجي، بل كانت لتثبيت السلطة السياسية لأحد طرفي النزاع، ولا يمكن لأي منا اليوم أو وقتها أن يجزم، وهو يقف في أحد المعسكرين، أنّه يقف حيث أمره القرآن الكريم، أو الرسول الكريم، ومنذ أن استتب الأمر لمعاوية، لم يعد هناك انتقال للسلطة، بل توريث سلمي أو انقلاب دموي تسلّم فيه السلطة على جماجم المسلمين.
من الأسئلة التي يجب أن تسأل، بناءً على ما سبق: بأي خلفية عقائدية دارت الفتنة الكبرى؟ فحين تصبح أرواح المسلمين أقلّ من مجرّد رقم في كتب تاريخنا، يجب أن نتساءل: لماذا هذا الانحدار في تكريم بني آدم؟ وبالتالي، لنجزم أنّ الخلفية التي دارت بها الحرب ليست عقائدية، بل سياسية بامتياز، لأنّها تجاوت حدود أخلاق المسلمين وقوانينهم في الحرب، كما وردت أيضاً في كتب التاريخ نفسها.
مازالت حرب البسوس قائمة، ومازالت معركة صفين تدور رحاها، بشخوص آخرين، وكلها تدور حول انتقال السلطة، وحين نقرأ تاريخ الأمة العربية في عصرها الجاهلي القديم، وبعد سقوط دولة الخلافة الراشدة، نجد أنّ قصص الحب التي توارثناها عن قيس ليلى وجميل بثينة وعنتر عبلة، لم تكن إنتاجاً للحضارة العربية، بل كانت مظاهر لـ "الحب الإحتجاجي"، أو الصرخة التي شقّت فضاء الصحراء العربية الجافة من المشاعر والعواطف، ولو كان نزار يعبّر عن حقيقة مشاعرنا، كما تحدثت عنها كتب التاريخ، لغيّر رأيه ليقول: القتل في الأرض بعض من تخيّلنا/ لو لم نجده عليها لاخترعناه.
لست هنا في وارد تعداد أزماتنا العربية، لأنها أكبر من أن يحاط بها، لكن أريد أن أقف على مرض واحد ينخر الجسد العربي منذ الجاهلية، وهو "آلية انتقال السلطة"، أزهقت بسببه، ولا تزال، أرواح الملايين بعناوين مختلفة، وحملت فيها رايات مختلفة.
في الجاهلية، قامت حرب البسوس بين قبيلتي بكر وتغلب المتجاورتين، لتتواصل 40 عاما، وما يذكر في سبب هذه الحرب المدمّرة أنها قامت من أجل ناقة البسوس التي نحرها كليب، في حين أنّ الأمر يعود إلى أن كليب أراد أن يغيّر نظام الحكم، وأن يقيم دولةً يحتكم فيها للقانون، ولها حدود لا يجب المساس بها، وأن يكون هو الملك أو الرئيس لهذه الدولة، وأن ترسم حدود الدولة، حيث يسمع نباح كلاب القبيلة، وأن لا توقد نار مع ناره، وأن لا تسقى إبل مع إبله.
لم تلاق هذه القوانين الجديدة التي أراد كليب أن يفرضها لابن عمه جساس الذي رأى فيها إستئثارا بالسلطة والجاه، وتقييداً لحركة الناس. ومن هنا، انطلقت المناكفة والتمرّد على قوانين الملك الجديد، ولم تكن حماية جسّاس ناقة البسوس، إلا في إطار التمرّد على سلطة كليب، فحرب البسوس لم تكن بسبب عش القبرة أو الناقة، بل كانت لأسباب سياسيةٍ، وهي السلطة والنفوذ.
أما في التاريخ الإسلامي، فأول قضيةٍ أثيرت، بعد موت الرسول الكريم، لم تكن من أجل تثبيت الدّين والعقيدة، بل كانت أيضا سياسية، وقصّة سقيفة بني ساعدة تقوم شاهداً تاريخياً على أزمة انتقال السلطة عند العرب والمسلمين، ولئن استطاع الخلفاء الراشدون تجاوز هذه الأزمة، بطرق مختلفة واجتهادات متباينة، لم ترتق لمستوى آلية انتقال للسلطة في دولة الخلافة، فإن حكاية معاوية، كانت تماماً من الناحية السياسية نوعا من ناقة البسوس، فواقعة الجمل أو حطّين، لم تكن لترسيخ قيم دينية أو عقائدية، كما لم تكن لحماية حدود الدولة الإسلامية من عدوّ خارجي، بل كانت لتثبيت السلطة السياسية لأحد طرفي النزاع، ولا يمكن لأي منا اليوم أو وقتها أن يجزم، وهو يقف في أحد المعسكرين، أنّه يقف حيث أمره القرآن الكريم، أو الرسول الكريم، ومنذ أن استتب الأمر لمعاوية، لم يعد هناك انتقال للسلطة، بل توريث سلمي أو انقلاب دموي تسلّم فيه السلطة على جماجم المسلمين.
من الأسئلة التي يجب أن تسأل، بناءً على ما سبق: بأي خلفية عقائدية دارت الفتنة الكبرى؟ فحين تصبح أرواح المسلمين أقلّ من مجرّد رقم في كتب تاريخنا، يجب أن نتساءل: لماذا هذا الانحدار في تكريم بني آدم؟ وبالتالي، لنجزم أنّ الخلفية التي دارت بها الحرب ليست عقائدية، بل سياسية بامتياز، لأنّها تجاوت حدود أخلاق المسلمين وقوانينهم في الحرب، كما وردت أيضاً في كتب التاريخ نفسها.
مازالت حرب البسوس قائمة، ومازالت معركة صفين تدور رحاها، بشخوص آخرين، وكلها تدور حول انتقال السلطة، وحين نقرأ تاريخ الأمة العربية في عصرها الجاهلي القديم، وبعد سقوط دولة الخلافة الراشدة، نجد أنّ قصص الحب التي توارثناها عن قيس ليلى وجميل بثينة وعنتر عبلة، لم تكن إنتاجاً للحضارة العربية، بل كانت مظاهر لـ "الحب الإحتجاجي"، أو الصرخة التي شقّت فضاء الصحراء العربية الجافة من المشاعر والعواطف، ولو كان نزار يعبّر عن حقيقة مشاعرنا، كما تحدثت عنها كتب التاريخ، لغيّر رأيه ليقول: القتل في الأرض بعض من تخيّلنا/ لو لم نجده عليها لاخترعناه.
مقالات أخرى
16 مارس 2017
10 مارس 2017
01 مارس 2017