المشروع الوطني الفلسطيني التحرري في وضع جمود. كما أنّ المقاومة السلمية التي تتبناها حركة فتح والسلطة محدودة مقتصرة على بعض نقاط التماس. ومن الصعب أن يتغير هذا الشكل في الفترة القريبة المقبلة، بل مرشح لزيادة من التعقيد.
تذرّعت الدكتاتوريات العربية باحتلال فلسطين، لتظهر نفسها بصورة ثورية صدئة، كانت سبباً أو قل وسيلة وأداةً لترهيب كل صوت وطني مخلص يريد الإصلاح في وطنه، ليهاجَم بالخيانة والعمالة ليكون مكانه السجن والتعذيب، وأحياناً القتل أو الإخفاء سنوات طويلة.
تعلم إسرائيل أنّ أي حرب، مهما كانت قسوتها، تجاه غزة، لن تمس صلب المقاومة المتمترسة في جوف الأرض، وأي تدمير لن يشمل لا مطارات أو دبابات ولا جسور أو موانئ، فبنية المقاومة ستبقى قوية وقادرة على النيل من الجيش المعتدي.
تقف الشعوب العربية اليوم على عتبة خطيرة ومفصل حرج من تاريخها، فالحالة التي تحياها والمنحدر الذي وصلت إليه قد لا تكون وصلت إليه قبل ذلك، وقد تصل إلى مستوىً أدنى في الضعف والمهانة منه.
عجزت كل وسائل القهر والإغراء، من القريب والغريب، عن إخضاع غزة، إذ تقول بلسان حالها إنّ مقاومتها الاحتلال مشروعة ما دام جاثماً على ربوع فلسطين، وأنّ أي وسيلة من وسائل المقاومة المرحلية لن تقف دون رفع الحصار غير الشرعي عنها.
أظهر الحراك السلميّ صورة الفلسطينيّ الجديد، المتمسك بكل حقوقه، والمتجذّر في أرضه، والمبتكر أشكالا من المقاومة لم تعهدها ثورات العالم قديمها وحديثها، فهي على بساطتها أربكت حسابات الاحتلال، وهو كل يوم يبحث عن طريقة تنهي هذا الحراك.
يقتضي الواجب إعادة هيكلة المشروع الوطني الفلسطيني، والعمل على شراكة سياسية بنّاءة، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني لبداية عملية تحرير كانت قد تعثرت مع توقيع أول ملف من ملفات التسوية السياسية الوهمية المنهارة.
على حركة فتح أن تدرك أنها أمام منعطف تاريخي، وقد يكون الأخير، بأن تستعيد أنفاسها وتنفض غبار السنوات العجاف عن نفسها، وتجري من الإصلاحات في بنيتها لتبقي مع باقي الفصائل الفلسطينية جذوة الأمل والتحرير ومنارة للجيل الفلسطيني الجديد.
العربية السعودية اليوم مقبلة على صنع تاريخ جديد، مبني على احتكار الحكم بيد أحد أحفاد عبد العزيز، الذي يسعى إلى اقتلاع كل المعيقات التي قد تعترضه في الداخل والخارج. وحملة التطهير داخل قصور العائلة صورة بسيطة لما سيحدث في المستقبل.
لحالة الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو سيئة جداً، إذ أصاب التردي والتراجع كل مكونات الحالة الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها تماهي حركة فتح باغتبارها حركة ثورية مع سلطة ضعيفة مقيدة، ما انعكس على حالة النضال الفلسطيني بشكل عام.