قضاء على وهم مسار التسوية

28 فبراير 2018
+ الخط -
بدون تحليل أو توقعات، ما أقدمت عليه الولايات المتحدة الأميركية (الوسيط غير النزيه) فيما يتعلق بمدينة المقدس يعتبر حسماً مبكراً وعدواناً جديداً على حقوق الشعب الفلسطيني، من خلال اعترافها بأن القدس عاصمة للاحتلال، أو ما ستقوم بفعله خلال الشهورالمقبلة من نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، حسب إعلان لوزارة الخارجية الأميركية الصادر في 23 فبراير/ شباط 2018، والذي صرح فيه إن نقل السفارة سيتم يوم 14 مايو/ أيار 2018 خلال احتفالات دولة الاحتلال في الذكرى السبعين لقيامها على أرض فلسطين، وخلال إحياء الشعب الفلسطيني يوم نكبته بضياع أرضه وحقوقه عليها.
خلال فترة المسيرة السلمية المتعثرة منذ عام 1993، قامت الولايات المتحدة بالوساطة الزائفة في عملية التسوية السلمية، التي انبنت على أسس هشة غير واضحة، وفي ظروف غير عادية، غاب فيها النصير القوي للقضية الفلسطينية والداعم المؤثر للحقوق الوطنية، إذ ترك العرب الحرية للوسيط غير النزيه بالتصرف على هواه، بالضغط على الشعب الفلسطيني وقيادته، بل كانوا في أغلب الأوقات ينوبون عن العدو بالضغط على القيادة الفلسطينية، للقبول بالحدود التي يرسمها الاحتلال وتعرضها أميركا، وبالتالي تدحرجت الحقوق والمطالب الفلسطينية. وفي مقابل ذلك، تصرف الاحتلال من طرف واحد متجاوزاً المبادئ الأساسية للحل المستقبلي، والذي ينبني على إرجاع الأراضي المحتلة عام1967.
قدمت الولايات المتحدة الدعم للسلطة الفلسطينية في الحدود التي رسمتها سياستها المنحازة، وذلك بقيام السلطة بواجباتها الأمنية التي نصت الاتفاقات الأولية عليها، حيث أنّ وجود صورة ما من صور التفاوض تعني أن هناك عملية سلام، وعلى الشعب الفلسطيني أن يدع جانباً؛ المقاومة وحمل السلاح. ومن هنا، تراجعت مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال خلال الفترة الطويلة التي كانت تحدث فيها لقاءات ثنائية أو مفاوضات حول الملفات المتعددة. وفي فترة الهبّات الشعبية أو الانتفاضة الثانية بالذات أوقفت أميركا دعمها أو قلصت منه، وكانت تشترط تقديمه بسيادة الهدوء في الأراضي الفلسطينية، ولا ينسى الفلسطينيون أنّ أميركا اشترطت، بعد انتفاضة الأقصى التي أدت إلى زعزعة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وتفككها تقريباً؛ أنّ دعمها مشروط بإشرافها واطلاعها على إعادة هيكلة هذه الأجهزة لتضمن عدم اشتراكها في أي تحرك مقاوم للاحتلال في المستقبل.
أقدمت دولة الاحتلال، ومن طرف واحد على إجراءات احتلالية عديدة داخل مدينة القدس وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، رسّخت وجود صور عديدة للاحتلال ومستوطنيه على هذه الأرض، وقد حدث كثير منها في فترة وجود عملية سياسية وهمية أسهمت في إيجاد غطاء لهذه الإجراءات، وتحت سمع وبصر أميركا، راعي هذه المفاوضات، ومن هنا قضت هذه الإجراءات على أمل وجود دولة فلسطينية مترابطة، وثبّتت مفهوم فكرة المفاوضات العبثية في ظل عملية سياسية وهمية.
وتجمع دول العالم أنّ شرقي القدس أراضٍ محتلة، وذلك حسب القرارات الدولية ذات الاختصاص، ويعتبر تأجيل ملف القدس المفاوضات النهائية إقرارا بأنّ هذه المدينة محتلة، ولم يتم حسم أمرها لأي طرف، وقيام أميركا بخطوتها نقل السفارة واعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال ما هو إلاّ إقرارا بالدور المتحيز للوسيط غير النزيه في عملية التسوية السلمية. ومن هنا، فإنّ أميركا لا يمكن لها أن تلعب هذا الدور مستقبلاً بمسمى الوساطة، حيث بدت صورتها خصما واضحاً في هذا الشأن.
يعتبر حسم أميركا ملف القدس لصالح الاحتلال تجاوز كل المبادئ التي قامت عليها عملية التسوية غير المتكافئة، فالقدس تُعتبر الملف الأساس من بين جميع الملفات التي تمّ تأجيلها إلى المفاوضات النهائية، وإن غاب هذا الملف أو تمّ التحايل على مسمّى القدس ببلدة كفر عقب أو بلدة أبو ديس، فهذا يعني، ومن دون مواربة، أنّ العملية السياسية السلمية التي دارت خلال خمسة وعشرين عاماً قد انتهت، وأنّ الخيار التفاوضي الوحيد لحل القضية الفلسطينية كان متسرعاً أثبت فشله قبل ذلك بكثير، وأنّ الرؤية المعارضة لعملية السلام، والتي ترى انتهاج مسار المقاومة والصمود هو الأنجح في مثل هذه الحالات.
تجمع فصائل فلسطينية ونخب سياسية وفكرية، أنّ أي استمرار في المسار التفاوضي نفسه ما هو إلاّ خدمة لتثبيت ما تمّ سلبه من الحقوق الفلسطينية قديماً وحديثاً، وأن أي مصلحة يتم الحفاظ عليها من خلال مسيرة التسوية والتفاوض لا تساوي شيئا أمام المصلحة العليا المتمثلة في إعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية والأراضي المحتلة. وترى هذه الفصائل والنخب انهيار عملية التسوية، وأنّ الواجب يقتضي إعادة هيكلة المشروع الوطني الفلسطيني، والعمل على شراكة سياسية بنّاءة، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني لبداية عملية تحرير كانت قد تعثرت مع توقيع أول ملف من ملفات التسوية السياسية الوهمية المنهارة.
0D0DAAE2-9C11-45A6-8AFB-12332414478A
0D0DAAE2-9C11-45A6-8AFB-12332414478A
جمال حاج علي (فلسطين)
جمال حاج علي (فلسطين)