08 يناير 2019
غزة وارتدادات المواجهة
جمال حاج علي (فلسطين)
نتجت المواجهة أخيرا في قطاع غزة، كالعادة، بسبب اعتداء غير متوقع من قوة إسرائيلية تسلّلت لتنفيذ عملية تعددت التكهنات بماهيتها، وكان من نتيجتها سقوط سبعة شهداء منهم قائم ميدانيّ، نور الدين بركة.
ولكن ما جعل هذه العملية نشازاً بوادر اتفاق التهدئة برعاية مصرية، والذي نتج عنه دخول ملايين الدولارات المفترض أن تسهم في تخفيف الاحتقان الحاصل في غزة، ليتم بعد ذلك تخفيف حدّة المواجهات على حدود القطاع من خلال مسيرات العودة، والتي كان لها دور كبير في قضّ مضاجع سكان المستوطنات المحيطة بالقطاع، ومعهم صنّاع القرار في تل أبيب.
وكان تقدير الحكومة الإسرائيلية بالقيام بهذه العملية في غير محلّه، لأسباب كثيرة، إذ ظنّ من اتخذ القرار أنّ رغبة غزة، ومن يدير شؤونها بالهدنة ودخول المساعدات ستجعلهم يغضون الطرف عن وقع هذه العملية، في حال تمّ اكتشاف فاعلها، وهم الذين ظنّوا من خلال عملائهم أنهم قادرون على تنفيذ مخططهم غير المعروف، بالتحديد لهذه اللحظة من دون انكشافه، سواء كان خطفا أو تصفية أو زرع أجهزة، أو حتى إن كان تخليص بعض الأسرى من جنودهم من أيدي المقاومة.
تطورت المقاومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة في قطاع غزة، وأصبحت عصية على القهر والدحر، باعتراف قادة الجيش والسياسيين الإسرائيليين. ويبدو أنّ المواجهات والحروب السابقة كان فيها من الدروس والعبر ما جعل قادة المقاومة، وبالتحديد كتائب القسام، تصل إلى مستوى احترافي في إدارة الصراع وحرب الأدمغة، عدا عن التطوير في الوسائل القتالية رغم طبيعة جغرافية قطاع غزة المحاصر.
بدأت نظرة صنّاع القرار في إسرائيل تجاه قطاع غزة تأخذ منحىً لم يتعوّد عليه العرب والفلسطينيون خلال عقود من الصراع، حيث كانت الطائرات الإسرائيلية والوحدات السرّية للمخابرات (الموساد)، وما زالت، تستبيح الأرض العربية والفلسطينية تقتل وتخطف وتأسر وتدمر بدون أي اعتبارات، لأنها كانت تعلم تماماً لمن توجه عدوانها وتثق بأنّ "الرد سيأتي في الزمان والمكان المناسبين". وهذا يعني أن لا رد، هكذا فعلت في سورية، عندما قصفت ما يُشتبه به أنه مفاعل نووي، وكذا عندما دمرت المفاعل النووي العراقي عام 1982م، أو عندما دخلت تونس واغتالت أبو جهاد وقبله كبار قادة المقاومة في لبنان في سبعينيّات القرن الماضي.
أصبحت الصورة اليوم مختلفة تماماً، وهذا ما يقرؤه كل مراقب بعد نهاية الجولة الأخيرة، والتي ردّت فيها المقاومة على اغتيال الشهداء السبعة، حيث ردّت في الليلة نفسها ردّاً سريعاً، ثمّ أعقبت ذلك برد مدروس بتدميرها حافلة جنود كانت قد انتظرت نزولهم وبصورة مدرسة كذلك، ثمّ بردها بقصف المستوطنات وتوسيع القصف بحجم كل اعتداء لجيش الاحتلال، لترسل الرسائل أنّ هذه المقاومة التي عرف جزءاً من سلوكها وتطورها قادة جيش الاحتلال في حرب عام2014، لديها من المفاجآت ما لا يعلمه أحد، ولديها من الإرادة والتصميم ما يجعلها تصمد فترة طويلة لا تقوى عليها دولة الاحتلال.
من جهة أخرى، تعلم الدولة العبرية أنّ أي حرب، مهما كانت قسوتها تجاه غزة، لن تمس صلب المقاومة المتمترسة في جوف الأرض، وأنّ أي تدمير لن يشمل لا مطارات أو دبابات ولا جسور أو موانئ، ومن هنا فبنية هذه المقاومة ستبقى قوية وقادرة على النيل من الجيش المعتدي، ومن الجبهة الداخلية الرخوة في دولة الاحتلال.
لم يعد الواقع الحالي مواتياً لمغامرات تتسبّب في إنهاء الحياة السياسية لبعض قادة الاحتلال اللاهثين للظفر بحكومة أو وزارة أو تمثيل ما، ومن هنا فإنه لم يبق أمام إسرائيل إلاّ أن تعقد اتفاق تهدئة طويل، يشمل رفعاً للحصار والسماح بدخول المساعدات والبضائع، ليتمكن قطاع غزة من النهوض من تحت الركام رغماً عن كل من سعى إلى حصاره.
يرى مراقبون أنّ المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بدأت تحصد ثمار برنامجها الذي بدأته، وبذلت فيه الغالي والنفيس، ودفعت فيه أرواح كبار قادتها الذين قدّموا دمهم ثمناً لإصرارهم على هذا الطريق، كما يرون أنّ الرسالة القوية التي أرسلتها هذه الجولة القصيرة الحاسمة هي لمن اختار طريق المفاوضات، ثمّ لم يجن منه سوى الخذلان، وخسارة مزيد من الأرض، وزيادة التضييق والابتزاز، فكانت الجائزة صفقة القرن التي سقط فيها ملف القدس واللاجئين من أي مفاوضات مستقبلية تسعى لها منظمة التحرير الفلسطينية.
ولكن ما جعل هذه العملية نشازاً بوادر اتفاق التهدئة برعاية مصرية، والذي نتج عنه دخول ملايين الدولارات المفترض أن تسهم في تخفيف الاحتقان الحاصل في غزة، ليتم بعد ذلك تخفيف حدّة المواجهات على حدود القطاع من خلال مسيرات العودة، والتي كان لها دور كبير في قضّ مضاجع سكان المستوطنات المحيطة بالقطاع، ومعهم صنّاع القرار في تل أبيب.
وكان تقدير الحكومة الإسرائيلية بالقيام بهذه العملية في غير محلّه، لأسباب كثيرة، إذ ظنّ من اتخذ القرار أنّ رغبة غزة، ومن يدير شؤونها بالهدنة ودخول المساعدات ستجعلهم يغضون الطرف عن وقع هذه العملية، في حال تمّ اكتشاف فاعلها، وهم الذين ظنّوا من خلال عملائهم أنهم قادرون على تنفيذ مخططهم غير المعروف، بالتحديد لهذه اللحظة من دون انكشافه، سواء كان خطفا أو تصفية أو زرع أجهزة، أو حتى إن كان تخليص بعض الأسرى من جنودهم من أيدي المقاومة.
تطورت المقاومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة في قطاع غزة، وأصبحت عصية على القهر والدحر، باعتراف قادة الجيش والسياسيين الإسرائيليين. ويبدو أنّ المواجهات والحروب السابقة كان فيها من الدروس والعبر ما جعل قادة المقاومة، وبالتحديد كتائب القسام، تصل إلى مستوى احترافي في إدارة الصراع وحرب الأدمغة، عدا عن التطوير في الوسائل القتالية رغم طبيعة جغرافية قطاع غزة المحاصر.
بدأت نظرة صنّاع القرار في إسرائيل تجاه قطاع غزة تأخذ منحىً لم يتعوّد عليه العرب والفلسطينيون خلال عقود من الصراع، حيث كانت الطائرات الإسرائيلية والوحدات السرّية للمخابرات (الموساد)، وما زالت، تستبيح الأرض العربية والفلسطينية تقتل وتخطف وتأسر وتدمر بدون أي اعتبارات، لأنها كانت تعلم تماماً لمن توجه عدوانها وتثق بأنّ "الرد سيأتي في الزمان والمكان المناسبين". وهذا يعني أن لا رد، هكذا فعلت في سورية، عندما قصفت ما يُشتبه به أنه مفاعل نووي، وكذا عندما دمرت المفاعل النووي العراقي عام 1982م، أو عندما دخلت تونس واغتالت أبو جهاد وقبله كبار قادة المقاومة في لبنان في سبعينيّات القرن الماضي.
أصبحت الصورة اليوم مختلفة تماماً، وهذا ما يقرؤه كل مراقب بعد نهاية الجولة الأخيرة، والتي ردّت فيها المقاومة على اغتيال الشهداء السبعة، حيث ردّت في الليلة نفسها ردّاً سريعاً، ثمّ أعقبت ذلك برد مدروس بتدميرها حافلة جنود كانت قد انتظرت نزولهم وبصورة مدرسة كذلك، ثمّ بردها بقصف المستوطنات وتوسيع القصف بحجم كل اعتداء لجيش الاحتلال، لترسل الرسائل أنّ هذه المقاومة التي عرف جزءاً من سلوكها وتطورها قادة جيش الاحتلال في حرب عام2014، لديها من المفاجآت ما لا يعلمه أحد، ولديها من الإرادة والتصميم ما يجعلها تصمد فترة طويلة لا تقوى عليها دولة الاحتلال.
من جهة أخرى، تعلم الدولة العبرية أنّ أي حرب، مهما كانت قسوتها تجاه غزة، لن تمس صلب المقاومة المتمترسة في جوف الأرض، وأنّ أي تدمير لن يشمل لا مطارات أو دبابات ولا جسور أو موانئ، ومن هنا فبنية هذه المقاومة ستبقى قوية وقادرة على النيل من الجيش المعتدي، ومن الجبهة الداخلية الرخوة في دولة الاحتلال.
لم يعد الواقع الحالي مواتياً لمغامرات تتسبّب في إنهاء الحياة السياسية لبعض قادة الاحتلال اللاهثين للظفر بحكومة أو وزارة أو تمثيل ما، ومن هنا فإنه لم يبق أمام إسرائيل إلاّ أن تعقد اتفاق تهدئة طويل، يشمل رفعاً للحصار والسماح بدخول المساعدات والبضائع، ليتمكن قطاع غزة من النهوض من تحت الركام رغماً عن كل من سعى إلى حصاره.
يرى مراقبون أنّ المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بدأت تحصد ثمار برنامجها الذي بدأته، وبذلت فيه الغالي والنفيس، ودفعت فيه أرواح كبار قادتها الذين قدّموا دمهم ثمناً لإصرارهم على هذا الطريق، كما يرون أنّ الرسالة القوية التي أرسلتها هذه الجولة القصيرة الحاسمة هي لمن اختار طريق المفاوضات، ثمّ لم يجن منه سوى الخذلان، وخسارة مزيد من الأرض، وزيادة التضييق والابتزاز، فكانت الجائزة صفقة القرن التي سقط فيها ملف القدس واللاجئين من أي مفاوضات مستقبلية تسعى لها منظمة التحرير الفلسطينية.
مقالات أخرى
04 ديسمبر 2018
07 نوفمبر 2018
27 يوليو 2018