هويات المونديال

04 يوليو 2018
منتخب فرنسا في مونديال 1998 (فيليب كارون/ Getty)
+ الخط -

عام 1998، في بطولة كأس العالم لكرة القدم التي استضافتها فرنسا وفاز فيها منتخبها بعدما هزم منتخب البرازيل في النهائي بثلاثة أهداف لصفر، كانت المرة الأولى التي يتنبه فيها العالم لمنتخب بطل يضم عدداً كبيراً من اللاعبين ذوي الأصول المهاجرة (القريبة). فمن أصل قائمة الاثنين والعشرين النهائية التي اختيرت للمونديال كان نصف اللاعبين من المهاجرين أو ذوي الأصول المهاجرة، وعلى رأسهم زين الدين زيدان ويوري دجوركاييف وألان بوغوصيان ومارسيل دوسايي وليليان تورام وكذلك الشابان تيري هنري ودافيد تريزيغيه، بل إنّ الأخير احتفل بالفوز بكأس العالم بعلم الأرجنتين.

منذ ذلك التاريخ بات من الاعتيادي أن تحصي اللاعبين ذوي الأصول الأجنبية في المنتخبات سواء أبناء الجيلين الثاني والثالث للمهاجرين أو حتى المجنسين. وحتى منتخبات دول لطالما وضعت فيتو على مشاركة الأجانب بالرغم من وجود جاليات مهاجرة كبيرة فيها، رضخت أخيراً للموجة، كحال ألمانيا، التي يذكر الجميع منتخباتها في مونديالات 1982 و1986 و1990 إبان فترة ألمانيا الغربية، وحتى بعد الوحدة في مونديالي 1994 و1998، وكيف كانت تعتمد على العنصر الجرماني وحده. لكنّ الاختراقات بدأت في مونديال عام 2002 عبر جيرالد أسامواه ذي الأصل الغاني، لتستمر حتى اليوم، خصوصاً مع اللاعبين الأفارقة والأتراك، بل لعب معها في كأس القارات اللاعب اللبناني الأصل أمين يونس الذي خاض حتى اليوم خمس مباريات دولية لبلاده الجديدة وسجل هدفين، وربما نشهد بداية للاعبين السوريين في فترة مقبلة.

بالحديث عن لبنان، يقول الكاتب اللبناني - الفرنسي أمين معلوف في كتابه "الهويات القاتلة": "لا تُعطى الهوية مرة وإلى الأبد، فهي تتشكل وتتحول على طول الوجود". في ظل المجتمعات المهاجرة لا يقتصر الأمر على الجنسية فحسب في النظر إلى الهوية، فقد باتت تحصيل حاصل يستفيد منه المهاجر وكذلك البلد المضيف في حالات كثيرة، منها تمثيل منتخباته الرياضية في حالتنا هذه. فالهوية تحمل البنية الثقافية للبلد الأول، سواء في ما يرسله ابن تلك الثقافة في البلد الجديد أو في ما يتلقاه من رموز مختلفة من المجتمع المضيف فيعاود التقولب داخله في شكل مختلف عن الدمج الاعتباطي الذي يعامَل به في كثير من الأماكن والأحيان. الثوابت الثقافية تبقى وتستمر معها الأيديولوجيا لتحدد الصديق والعدو، بل لتجدد الصداقات والعداوات وتنقلها عبر الأجيال.




لعلّ المونديال الحالي قدم لنا لمحة عن ذلك، من خلال احتفالية لاعبي سويسرا؛ شيردان شقيري، وغرانيت تشاكا، برسم النسر الألباني بالأيدي عقب تسجيل كلّ منهم هدفاً. ببساطة، سويسرا كانت تلاعب صربيا، واللاعب الأول من ألبان كوسوفو وكان في عامه الأول عندما حمله أهله إلى سويسرا عام 1992، والثاني من ألبان كورسمليا على حدود كوسوفو، وقد ولد في سويسرا بالذات عام 1992. الاثنان ومعهما لاعبون آخرون من يوغسلافيا السابقة وغيرها في منتخب سويسرا، ما زالوا يحملون الكثير من هويتهم الأولى، مهما نشأوا في بلاد جديدة وفرض عليهم الاندماج فيها.
المساهمون