هل تستجيب مصر لضغوط تحسين أوضاع السجناء؟

29 يوليو 2019
ذوو المعتقلون في احتجاجٍ سابق (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -



رجّح مصدر سياسي مصري أن "يشهد ملف أوضاع السجناء السياسيين المتردية في بلاده، مزيداً من الضغوط الداخلية والخارجية على السلطات المصرية، للسماح بتنظيم زيارات حقوقية لتفقد أوضاع السجناء، ولا سيما بعد وفاة العديد من المعتقلين أخيراً، ولعل أبرزهم الرئيس الراحل محمد مرسي، الذي توفي خلال إحدى جلسات محاكمته الشهر الماضي، ومطالبة الخارجية الأميركية بتحسين أوضاع المعتقلين". وأشار المصدر، الذي تحدث إلى "العربي الجديد"، إلى أن "مسألة تحسين أوضاع السجناء تعد من الملفات التي تشهد إجماعاً بين جميع قوى المعارضة في مصر، الإسلامية منها والمدنية (الليبرالية) على حد سواء، نظراً لما تشهده السجون من انتهاكات غير مسبوقة، تشمل المنع من ممارسة الرياضة والزيارة والعلاج. ما يُلقي بظلاله على سمعة مصر في الخارج"، متوقعاً أن "تؤتي الضغوط ثمارها، من خلال السماح لمنظمات حقوقية، ولو موالية، بتنظيم زيارات إلى السجون قريباً".

وخلال الأيام الماضية، ارتفعت موجة من الإضراب عن الطعام بين المعتقلين في عدد من السجون المصرية، اعتراضاً على الإهمال الطبي، وحالات الوفاة المتكررة داخل مقار الاحتجاز، كما حال معتقلي القضية "64 عسكرية"، بسجن طره الشديد الحراسة، المضربين عن الطعام منذ 18 يونيو/حزيران الماضي، للمطالبة بتحسين أوضاعهم، وفتح باب الزيارات حسبما تنصّ عليه لائحة السجون.

وسرّب معتقلو القضية "64 عسكرية" بيان بعنوان "قبل أن نهلك"، يسردون فيه تفاصيل احتجازهم في غياهب المعتقلات، بالقول: "عندما اعتُقلنا، وأُخفينا قسراً في مقار الأمن الوطني، تعرضنا لأبشع أنواع التعذيب، حتى تمنينا الموت من هول ما رأينا. فعندما يعرض على المرء منّا أن يعترف على نفسه بما لم يفعل، مقابل أن يذهب إلى السجن يحمد الله كثيراً، ويُمنّي نفسه بأنه سيتمكن من رؤية أهله، غير أننا فوجئنا بخروجنا من مقبرة إلى أخرى".

ومثّلت رسالة وزير الخارجية الأميركي، مارك بومبيو، إلى مجموعة العمل الخاصة بحقوق الإنسان في مصر، التي أبدى فيها قلقه من الأوضاع داخل السجون، إثر وفاة مرسي أثناء إحدى جلسات محاكمته، مفاجأة للدبلوماسية الرسمية المصرية، التي آثرت الصمت، وعدم الرد بشكل رسمي حتى الآن على هذه الرسالة، باعتبارها لم توجّه بشكل علني للحكومة المصرية. وتمضي القاهرة قدماً نحو مزيد من تقييد الحريات وإساءة معاملة السجناء، وحرمانهم من حقوقهم الطبيعية في ممارسة الرياضة والعناية الصحية، في وقت تنتقد فيه منظمات حقوقية دولية وإقليمية أوضاع السجون المصرية، على رأسها منظمة العفو الدولية، التي أصدرت بيانات عدة لإدانة إجراءات القمع داخل السجون، وحرمان المحبوسين من لقاء ذويهم.



وعكست رسالة بومبيو نجاحاً مطرداً لعمل المنظمات والناشطين الحقوقيين المهتمين بالأوضاع في مصر، في اجتذاب أنظار واهتمام مسؤولين مقرّبين من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بعد 4 أشهر فقط من أخذ مكتب الديمقراطية بالخارجية الأميركية جميع الملاحظات التي اعتادت المنظمات الأجنبية والعربية تقديمها إلى واشنطن سنوياً، بمناسبة إعداد التقرير السنوي عن الحالة الحقوقية في العديد من البلدان.

وأخيراً، قال رئيس "المجلس القومي لحقوق الإنسان" في مصر، محمد فايق، إن "المجلس يواجه تعنتاً في تنفيذ طلباته الخاصة بزيارة بعض السجون، وهو ما يمثل انتهاكاً لا بد من معالجته سريعاً"، مشيراً إلى أن "بعض السجون المصرية مغلقة أمام أعضاء المجلس، ولا يُعرف ما يحدث فيها من انتهاكات إن وُجدت".

تصريحات فايق تزامنت مع انتقادات محلية ودولية واسعة النطاق تجاه مصر، على خلفية تردي أوضاع المعتقلين داخل السجون ومقار الاحتجاز. وأفاد فايق بأن "التسويف كان هو الرد الرسمي من وزارة الداخلية على طلبات أعضاء المجلس بزيارة السجون. فمرة يُقال بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وأخرى بعد انتهاء البطولة الأفريقية لكرة القدم، ونعلم أن ذلك يعني عدم السماح بتنظيم زيارات للسجون في الوقت الراهن". ودخل المعتقلان السياسيان مصطفى الأعصر، ومصطفى أحمد، في إضراب عن الطعام يوم الاثنين 22 يوليو/تموز الحالي للتنديد بمقتل المعتقل عمر عادل، الذي كان يرافق الأعصر في الزنزانة، اعتراضاً على طول مدة الحبس الاحتياطي غير المبررة، والإهمال الطبي، وسوء الأوضاع المعيشية، وسوء المعاملة. وتوفي عادل بعد وضعه في زنزانة التأديب لمدة أربعة أيام، حيث لم يكن يُعاني من أية مشاكل صحية، بعد أن اعتقل في عام 2014 وهو بعمر 25 عاماً، وكان محكوماً عليه بالسجن لمدة 15 عاماً، قضى منها خمسة أعوام في قضية عسكرية.

ونُقل عدد من السجناء في العقرب إلى مستشفى السجن خلال السنوات الماضية، إذ كان كل منهم في وضع صحي حرج، ومنهم نائب رئيس محكمة النقض الأسبق، محمود الخضيري، والقيادي بحزب الاستقلال، مجدي حسين، وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان، رشاد بيومي. وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، أعلن عدد من أسر معتقلي سجن العقرب دخول جميع المحبوسين في السجن، في إضراب مفتوح عن الطعام، في محاولة لإيصال صوتهم للعالم من أجل المطالبة بفتح الزيارة. وهو السجن الذي شهد وفاة العشرات من المحتجزين نتيجة الإهمال الطبي، أبرزهم القيادي بجماعة "الإخوان" فريد إسماعيل، وعضو الجماعة عماد حسن، والقياديان السابقان بجماعة "الجهاد الإسلامي" مرجان سالم، ونبيل المغربي.

بدورها، دخلت علا القرضاوي، ابنة العالِم الإسلامي يوسف القرضاوي، في إضراب عن الطعام منذ 4 يوليو الحالي، بعد ضمها لقضية جديدة للتنكيل بها، واستمرار حبسها، في نفس اليوم الذي حصلت فيه على قرار إخلاء سبيل من القضية رقم 316 لعام 2017، بعدما وجهت لها النيابة العام تهمة "الانضمام لجماعة على خلاف القانون وتمويلها". والقرضاوي مواطنة قطرية من أصل مصري، تبلغ من العمر 57 عاماً، أم لثلاثة أبناء، وجدة لثلاث حفيدات، ولا انتماءات سياسية لها، وزوجها حسام خلف، مصري الجنسية، وهو عضو الهيئة العليا لحزب الوسط، وسبق أن اعتُقل بشكل تعسفي عام 2014، ولم توجه إليه السلطات المصرية أي اتهام بالمرة، حتى أُطلق سراحه في نهاية المطاف عام 2016.