نازحو إدلب وحماة يبيعون أثاثهم للعيش... و"تجار الأزمات" يستغلون المأساة

23 يونيو 2019
يحاولون أخذ ما تبقى من الأثاث (كرم المصري/Getty)
+ الخط -
مع تواصل عمليات التصعيد العنيفة التي تشنها قوات النظام السوري وروسيا على قرى وبلدات ريفي حماة الشمالي والغربي، وريف إدلب الجنوبي منذ قرابة الشهر ونصف الشهر، واستمرار حركة النزوح الكبيرة التي تشهدها المناطق باتجاه الشمال السوري والكثافة السكانية التي حدثت جراء ذلك قرب الحدود التركية، بات من المألوف الآن جلب الكثير من النازحين أثاث منازلهم من قراهم وبلداتهم وبيعه في الأسواق في ريف إدلب الشمالي، ليؤمنوا قوت يومهم.

ومع تدفق ما يقرب من نصف مليون نازح جديد منذ بداية التصعيد، وبسبب التردي الكبير في أوضاع هؤلاء النازحين الذين خرجوا بأرواحهم خوفاً من القصف، لجأت كثيرٌ من العائلات في الآونة الأخيرة إلى بيع أثاث منازلها، وذلك بهدف تأمين لقمة العيش ومتطلبات الحياة الأساسية، بعد أن هربت تحت وطأة القصف العنيف تاركة وراءها مصادر رزقها.

ومن المعلوم أن غالبية العائلات التي نزحت من قرى وبلدات ريفي إدلب وحماة في الفترة الأخيرة، لم تتمكن من إخراج أثاث المنازل، بل اكتفت بما يمكن حمله من ثياب تحت وطأة القصف الكثيف من قبل قوات الأسد وروسيا.

لكن بعد مضي أكثر من 54 يوماً على بدء حملة النظام وحلفائه الوحشية، بدأت حدة الغارات الجوية تخف تدريجياً، ولم تعد كما كانت عليه في بداية التصعيد، ما شجع العديد من العائلات على إخراج أثاث منازلها، سواء في ريف إدلب الجنوبي مثل مدن خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب وبلدات الهبيط وترملا وحيش وكرسعة ومعرزيتا ومعرة حرمة وكفر سجنة، وفي ريف حماة الشمالي والغربي، مثل قرى قسطون والزيارة والحويجة والزقوم واللبويب وشهرناز وقرة جرن وميدان الغزال والمستريحة وغيرها.

ويستثمر بعض النازحين الأوقات التي تتراجع فيها حدة القصف، مثل منتصف الليل، ليذهب أحدهم إلى منزله ويجلب ما استطاع حمله من الأثاث المنزلي، مثل برادات وغسالات ومراوح ومدافئ ومكانس كهربائية وأدوات مطبخ كاملة، وغيرها الكثير من الأغراض.

لكن المأساة عموماً لا تتوقف هنا فقط، إذ شكا بعض النازحين من استغلال "تجار الأزمات"،  لهذه الظروف، وحاجة النازحين لبيع أثاث منزلهم، فيعرض الكثير من التجار في مناطق شمال إدلب شراء الأثاث بأثمان بخسة، مستغلين في ذلك الحالة المادية الصعبة التي يمر بها النازحون، بالأخص الذين جلسوا في العراء دون أي مأوى يقيهم حرارة الصيف، ولا يملكون ما يسد رمق أطفالهم.

ورصدت أكثر من 15 حالة من هذا النوع لعائلات باعت أثاث منازلها، فقط في بلدة كفرتخاريم شمالي إدلب، والواقع هو ذاته في عدة قرى وبلدات حدودية، وحتى في بعض المخيمات المنتشرة على طول الحدود السورية التركية، مثل مخيم دير حسان حيث شوهدت عائلات كثيرة فيه تضع أثاث منازلها بالقرب من الخيام بهدف البيع.

وفي حالات عدة أقدمت عائلات على بيع أثاث منزل كامل تتراوح قيمته بين 1000 و1500 دولار أميركي، بمبلغ لا يتجاوز 100 أو 150 دولاراً.

"ليس لدي حل آخر إلا بيع أثاث منزلي لتأمين لقمة عيشي"، بهذه الكلمات بدأ عماد اليوسف (45 عاماً) وهو أحد نازحي منطقة جبل شحشبو في ريف حماة الشمالي حديثه لـ"العربي الجديد". وأضاف:"بعد أن بدأت قوات النظام والطيران الحربي بالقصف، لجأتُ مع عائلتي المكونة من 8 أفراد إلى مخيم دير حسان. هذا المخيم الذي تنعدم فيه أبسط مقومات الحياة. وما إن وصلت إلى المخيم، حتى ترتب علي الكثير من التكاليف من إيجار الأرض التي تقوم عليها الخيمة وسعر الخيمة نفسها والماء والغذاء، حتى وصل بي الحال إلى درجة لم أعُد قادراً على تأمين لقمة العيش لأطفالي".

وأوضح اليوسف "كان مصدر دخلي الأساسي هو الزراعة وبعد النزوح خسرنا كل شيء نملكه وحُرقت محاصيلنا الزراعية، فقررت في النهاية، أن أبيع أثاث منزلي حتى أستطيع العيش في ظل هذا الوضع الراهن. استأجرت سيارة بمبلغ 15 ألف ليرة سورية(28.5 دولارا) للوصول إلى قريتي دير سنبل مع بزوغ الفجر، فهذا الوقت هو الأنسب لأن القصف يتوقف عادة".

وتابع "أخرجت الكثير من الأشياء من بينها براد وغسالة وتلفزيون وسجادتان وأسطوانة غاز والكثير من أدوات المطبخ ووسائد وفرش كامل، ما يقدر ثمنه الحقيقي بما يقارب 2000 دولار أميركي تقريباً، ونشرت الخبر بين النازحين في المخيم عن رغبتي ببيع الأثاث، وبعد عدة ساعات صادفت شخصاً من سكان المنطقة يملك محلات لبيع البضائع المستعملة، وطلبت منه مبلغ 1000 دولار مقابل كامل الأثاث لكنه رفض ذلك وقال لي بالحرف الواحد: لن يشتريه منك أحد بأكثر من 300 دولار".

وقال الأربعيني إن التاجر أقنعه بوجود أعداد كبيرة من العائلات تريد بيع أثاث منازلها، "ثم دفع لي مبلغ 250 دولاراً فقط، وكنت مجبراً على الموافقة، لأنني لا أملك خياراً آخر".
المساهمون