موارد "داعش" غير النفطية..استنزاف رعايا "الدولة" يملأ خزائن التنظيم

عبسي سميسم (العربي الجديد)
عبسي سميسم
عبسي سميسم. صحافي سوري؛ مدير مكتب سورية في موقع وصحيفة "العربي الجديد".

فارس كريم

avata
فارس كريم
02 يوليو 2016
+ الخط -
"دولتكم بخير، وكلما ازدادت الحرب ضدها، واشتدت المحن، ازداد صفها نقاءً، وازدادت صلابة"، بهذه الكلمات بشّر أبو بكر البغدادي، خليفة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أنصاره، نافيا تأثر تنظيمه بالضربات الجويّة التي ينفذها التحالف الدولي، وفقا لما جاء في تسجيل صوتي نشرته حسابات مقربة من التنظيم على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، في 26 كانون الأول/ديسمبر الماضي.

حتى اليوم تستمر ضربات التحالف الجوية، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ضد "داعش"، غير أن تلك الضربات تركز فقط على النفط، ومصافي التكرير التابعة للتنظيم، بحسب ما تظهر الصور ومقاطع الفيديو الموثقة التي ينشرها التحالف الدولي، منذ بدء ضرباته عقب صدور قرار عن مجلس الأمن في 13 فبراير/شباط من عام 2015 باستهداف منابع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المالية.

ويكشف هذا التحقيق اعتماد التنظيم على موارد غير نفطية توفر له دخلا يفوق موارده النفطية إذ تتمتع تلك المصادر بالاستدامة، في ظل تراجع أسعار ومبيعات نفط داعش إلى ما بين 850 ألف دولار ومليون و65 ألف دولار يومياً، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، في الوقت الذي بينت دراسة أعدها معهد "إي إتش إس جينز" "Information Handling Services Jane's" المتخصص بمراقبة النزاعات ومقره لندن في شهر مارس/آذار الماضي، أن نحو 50% من موارد تنظيم "داعش" المالية تأتي من الضرائب، فيما يجني التنظيم نحو 43% من موارده من النفط، بالإضافة إلى 7% من بيع الكهرباء والتبرعات.

ووفقا للوثائق التي حصلت عليها "العربي الجديد"، ومقابلات مع مصادر على الأرض في المناطق الخاضعة للتنظيم، فإن الموارد غير النفطية التي يجنيها التنظيم، تعتمد بشكل أساسي على نظام ضريبي صارم، على كل قطاعات الأعمال، وفرض إتاوات على المواطنين بذرائع مختلفة، بالإضافة إلى استباحة كل ما يمكن من ثروات سورية وبشكل خاص الآثار التي منح التنظيم رخصاً للتنقيب عنها، حتى أنه زود المنقبين بأجهزة تنقيب كما يوثق التحقيق.



البشر مورد رزق داعش

تختصر شهادة الناشط السوري علاء الديري (27 عاماً)، أحد الفارّين حديثاً من مناطق سيطرة التنظيم في دير الزور، رؤية "داعش" المالية، إذ ينظر التنظيم إلى من يقطنون في مناطق نفوذه، على أنهم موارد رزق أساسية، "من خلال الضرائب والإتاوات والغرامات التي يفرضها تحت مسمّيات كثيرة، على مختلف أنواع الأعمال"، كما يقول الديري متابعا: "ما دام الناس قادرين على إنتاج الأموال، فالتنظيم يملك طرقاً مختلفة لتحصيلها منهم".
 وعمل الديري على رصد وتوثيق القرارات التي أصدرها (ديوان الزراعة) لتنظيم وتقنين الصيد في مياه نهر الفرات، موضحا أن القرارات التي نشرها التنظيم في بيان "رسمي"، تضمّنت عدة بنود، (حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها)، بموجبها يحظر التنظيم جميع أشكال الصيد في مياه الفرات من دون الحصول على رخصة، وبموجب شهادات وثقها معدا التحقيق، فإن هذه الرخصة ليست المورد الوحيد لاستنزاف الأهالي، إذ يفرض التنظيم ضرائب يومية متغيرة تحسب على كمية الإنتاج بحسب الديري.

ويبلغ طول نهر الفرات، الذي يخترق مدينة دير الزور، في عموم المحافظة، ما يقارب 325 كم، ويُعتبر النهر وسريره الرملي، مصدراً مهماً يدرُّ على التنظيم عشرات الملايين يومياً، من خلال بيع واستثمار المقالع الرملية على جانبيه، وبيع مياهه لسقاية الأراضي الزراعية، من دون أن ينسى مسؤولو التنظيم فرض الضرائب والإتاوات المختلفة، كما يؤكد لـ"العربي الجديد"، عدد من الأهالي المقيمين في مناطق سيطرة التنظيم.


ديوان الزراعة وجباية ملايين الليرات يومياً

يعد "ديوان الزراعة" هيئة داعش الرئيسية المكلّفة بتنظيم آلية استثمار الأراضي الزراعية ومراقبة مصادر المياه وكل الثروات فوق الأرض، ويقوده "أبو القعقاع التونسي" والذي تمهر البيانات التي تصدر عن هذا الديوان باسمه، وفقا للوثائق التي حصلت عليها "العربي الجديد".

وأبو القعقاع، هو أحد "رموز الرعب" في "ولاية الخير" والتي تضم أجزاء واسعة من محافظة دير الزور، وبالأخص لأصحاب المقالع الرمليّة المنتشرة على طرفي مجرى النهر بحسب شهادة موثقة من خالد الراوي (اسم مستعار) لأحد مستثمري المقالع على سرير نهر الفرات في دير الزور.
ويقوم المستثمرون بشراء قطعة أرض على ضفاف النهر بمزايدات سنوية، عن طريق ما يسمى بـ "المكتب الاستثماري لداعش"، ويتراوح سعر المقلع الواحد بين 50 و100 ألف ليرة سورية (أي بين نحو 125 و250 دولارا أميركيا، إذ كان سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية في السوق السوداء أثناء إجراء التحقيق حوالي 400 ليرة سورية لكل دولار). "لكن دون أن تُنقل الملكية الكاملة إلى المشتري"، بحسب خالد الراوي، والذي بين أن العقد الذي يبرمه المستثمر مع التنظيم، ليس عقد ملكية ولا حتى يمكن اعتباره كعقد استثمار لمدة محددة، وإنما هو اتفاق يستطيع التنظيم حله في أي وقت يراه، ويضيف الراوي قائلا لـ"العربي الجديد": "لا تنتهي رقابة التنظيم على المقالع بمجرد بيع قطة الأرض، إذ يفرض على كل شاحنة محمّلة تخرج من المقلع ضريبة تصل إلى (500 ليرة سورية) (دولار أميركي وربع)".

ويؤكد حمّود وهو اسم مستعار لأحد مستثمري المقالع على ضفة الفرات اليمنى في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "التنظيم يتقاضى 500 ليرة سورية على كل سيارة تخرج من مقالعه"، موضحا "من مقالعي وحدها، هناك ما يقارب المئة شاحنة تخرج يومياً وبحسبة بسيطة فالتنظيم يحصل يومياً على (50 ألف ليرة سورية) من إنتاج مقالعي وحدها" ووثق معدا التحقيق حديث حمود عبر وصل دفع خاص بأحد المستثمرين مكتوب عليه (ولاية الخير، المكتب الاستثماري بالميادين، مقلع البصيرة وتم تحديد نوع الشاحنة التي ستمر بعد تحميلها بالبحص (الحجارة الصغيرة)، فيما وضع التنظيم في أسفل الإيصال اشتراطا بتغطية الشحنة.



استثمار في أرزاق الفقراء

في جنح الظلام يبحر صياد الأسماك أبو علاوي في مياه نهر الفرات، في محاولة للهروب من دفع الإتاوات التي فرضها تنظيم "الدولة الإسلامية"، من أجل أن يتمكن من تأمين لقمة العيش له ولعائلته المكونة من سبعة أفراد، "حتى مع علمه بأنه قد يدفع حياته ثمنا لمخالفة تعليمات التنظيم" كما يقول في حديث إلى "العربي الجديد" متابعا وبلهجة فيها تحد لقرارات التنظيم: "أعلم بأنهم قد يقطعون رأسي في ساحة عامة، لكن ما الذي تنتظره مني، هل نموت أنا وأفراد عائلتي من الجوع؟".

ويتابع أبو علاوي، (اسم مستعار لأحد صيادي السمك من منطقة الريف الشرقي لدير الزور)، "منذ سيطرة تنظيم الدولة على مدينة دير الزور فرض ضرائب قاسية علينا، إذ يقاسم من خلالها سكان المنطقة أعمالهم فارضا إتاوات على كل الأعمال بمبالغ تثقل كاهلنا في الوقت الذي بالكاد نستطيع تأمين لقمة العيش، داعش سيطر على كل الأعمال في المحافظة، إذ تتطلب كل مرحلة من مراحل إنجاز العمل دفع أموال للتنظيم بدءا من الترخيص، وانتهاء بالإنتاج الذي يستوجب دفع جزء منه لما يسمى "بيت مال المسلمين" وذلك بعد أن أنشأ دواوين خاصة بكل قطاعات الأعمال".
 أما المدرس خليل سماق، والذي كان يقطن في إحدى مناطق سيطرة التنظيم في دير الزور غير أنه يقيم الآن في إحدى المدن التركية، فقال لـ"العربي الجديد"، "يفرض تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" ضرائب على كل خدمة قد تخطر على البال"، مبينا أن كل منزل في مناطق سيطرة تنظيم "داعش" عليه أن يدفع مبلغ 3 آلاف ليرة سورية ضريبة لتزويده بالكهرباء والمياه، وألف ليرة من أجل الهاتف إن وجد.

وحصل معدا التحقيق على عدد من إيصالات الدفع لخدمات المياه والبلدية والكهرباء والمسماة بوصل جباية خدمات، والصادرة عن مكتب جباية الخدمات في ولاية الفرات (تضم مدينتي القائم العراقية والبوكمال السورية والقرى المحيطة بهما)، مع توقيع المحصل والذي تم وضع اسمه ويسبقه لقب الجابي في أسفل إيصال الدفع الذي كان بقية 1500 ليرة سورية أي ما يوازي (4 دولارات).

ويواصل سماق حديثه قائلا "المحلات التجارية تدفع ضريبة شهرية من 3 آلاف ليرة (8 دولارات)، حتى 15 ألف ليرة سورية (38 دولارا أميركيا) حسب مساحة المحل، وبحسب موقعه طبعا، هذا عدا عن ثمن الكهرباء والماء وضرائب الخدمات".

وفي ما يخص الضرائب على الأراضي الزراعية، قال سماق والذي عايش معاناة من يدفعون هذه الضرائب، "يفرض التنظيم على الأراضي المروية ضريبة سنوية بمقدار 200 ليرة سورية عن كل دونم أرض، أما الأراضي البعل التي تعتمد على مياه الأمطار فضريبتها 150 ليرة سورية عن كل دونم، كما يفرض التنظيم ضريبة شهرية على مياه السقاية بمقدار 200 ليرة سورية شهريا، على سقاية كل دونم طبعا، هذا غير الزكاة التي يفرضها على المحاصيل الزراعية والتي لا تدخل ضمن حساباته للضرائب".

ويتابع سماق: "يفرض التنظيم ضرائب حتى على الباعة الجائلين وأصحاب "البسطات" والذين تتراوح الضرائب الشهرية التي تفرض عليهم بين ألف ليرة و 3 آلاف ليرة سورية، حسب حصيلة ومكان البيع، كما أن حافلات نقل الركاب والبضائع لم تسلم من ضرائبه إذ يفرض ضريبة على المرور مقدارها يتراوح بين ألفي ليرة (5 دولارات) إلى 25 ألف ليرة سورية (63 دولارا) وذلك بحسب نوع الحافلة وحجمها وحمولتها وفي حال كانت تنقل بضائع، فالأمر بحسب نوع البضاعة".


الغرامات مورد مالي للتنظيم

بحسب الناشط السوري المقيم في محافظة الرقة أبو جاسم المطر (اسم مستعار) فإن الغرامات التي يفرضها التنظيم على المخالفات الشرعية، تعد مصدراً مهماً لدخله المالي، إذ تقدر تلك الغرامات بالذهب أو ما يعادل قيمته. قائلا "المخالفات الشرعية التي تفرض على مخالفات النساء لقوانين التنظيم كـ"السفور أو التبرج"، تتراوح قيمها بين خمسة إلى 20 غراما من الذهب أو ما يعادلها من المال، فيما تتراوح الغرامات على تجارة الدخان بين مليون ليرة (2500 دولار) وخمسة عشر مليون ليرة سورية (37.5 ألف دولار)".

وأوضح المطر أن لدى تنظيم داعش أسعارا لإخراج المعتقلين لديه من السجون على شكل غرامات مقابل الإفراج عن المسجون تتراوح قيمها بين مليون وتصل إلى 25 مليون ليرة سورية (أي بين 2500 دولار وحتى 62500 دولار).



"المرتدون" مصدر دخل أيضاً

يعتبر تنظيم داعش أن كل من يملك رأياً مختلفاً وتحديداً في المجال الديني مرتدّ (أي خارج عن الدين)، ووفق هذا، تصبح كل أموال المرتدين المنقولة وغير المنقولة، من عقارات ومحلات وأراض..إلخ معرّضة للمصادرة، وفقا لما وثقه الناشط الحقوقي علاء جدوع المقيم في مناطق سيطرة التنظيم داخل سورية.

وبحسب إحصاء موثق عبر مصادر خاصة من داخل ديوان العقارات التابع لداعش فإن عدد العقارات المصادَرة في دير الزور وحدها، بلغ 30 ألف عقار مملوكة لمن يصفهم التنظيم بالمرتدين. ويشمل الرقم بحسب علاء، إلى جانب قيادات الجيش السوري الحر والسياسيين والنشطاء في المحافظة، كل من "ترك أراضي الدولة الإسلامية وخرج إلى بلاد الكفر". مبينا أن الدكتور أحمد طعمة، رئيس الحكومة السورية المؤقتة السابق، وابن مدينة دير الزور، كان من بين هؤلاء الذين استولى التنظيم على بيوتهم.

وفي مدينة البوكمال على الحدود العراقية، أكد ناشطون من المدينة لـ"العربي الجديد" أن التنظيم استولى على المئات من منازل ومحلات المواطنين، بتهمة "الخروج من أراضي الدولة الإسلامية"، موضحين أن أبرز هذه العقارات "أبنية المرسومي ومحلاتها" والتي تعتبر من أكبر المحلات على الإطلاق في المدينة، ليلجأ التنظيم فيما بعد إلى إيجار العديد منها، مما يوفّر له دخلاً شهرياً ثابتاً.
الناشط الإعلامي سلامة الديري "اسم مستعار" والذي يقيم في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور أوضح لـ "العربي الجديد" أن منازل قيادات وعناصر الجيش السوري الحر، من بين أهم وأسهل الأهداف بالنسبة للتنظيم، فهم "صحوات ومرتدون" بحسب وصف التنظيم، وأكد الديري أن التنظيم استولى على كامل المنازل والعقارات العائدة لهذه الشريحة التي قضى عليها التنظيم تماماً، في الريف الشرقي، وبالأخص منطقة الشحيل، المعقل التقليدي لمعارضي التنظيم، من أبناء العشائر الثائرة ضده، وحتى المناصرة لجبهة النصرة.

وبين الديري أن العاملين في العمل المدني والإغاثي، لم يكونوا بمنأى عن اتهامات التنظيم، إذ قامت مجموعة من عناصره بالاستيلاء على منزل الناشط علي الدخيل في مدينة الميادين، بتهمة العمل مع المنظمات الأجنبية، وحوّلوه إلى "دار للحسبة". وهو واحد من مئات الحالات المشابهة التي استطاعت "العربي الجديد" توثيقها بالصور.

وتنتشر في أرياف المحافظات السورية أبنية تعود لمسؤولين في الدولة أو لأثرياء، غير أن تنظيم الدولة سيطر على معظم تلك المباني التي تقع ضمن مناطق سيطرته وحولها إلى أملاك خاصة له، كما يقول محمد المردود الموظف السابق في السجل العقاري بمدينة دير الزور، مضيفا: "في محافظة دير الزور تحوّل قصر نائب المحافظ علي السهو، والذي يقع في الريف الشرقي، إلى أحد أهم مقرات التنظيم، كما استولى التنظيم على قصر نواف راغب البشير، الشخصية العشائرية المعروفة، وأحد رموز المعارضة السورية في المناطق الشرقية، وحوله إلى موقع عسكري.

أما رب العائلة علي الشاهر من منطقة بقرص في الريف الشرقي لدير الزور والذي يسكن أحد أحياء العاصمة دمشق الخاضعة لسيطرة النظام، فلا يزال مندهشا منذ أن أبلغه أحد أقربائه بأن التنظيم استولى على منزله المتواضع، لأنه "يسكن بلاد الكفر". ويؤكد المردود أن الشرائح المستهدفة بالمصادرة العقارية، لا يمكن حصرها، إذ تتوسّع كلما احتاج التنظيم إلى موارد إضافية.



الآثار والرواتب والتحويلات المالية

عقب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على محافظة الرقة، في إبريل/نيسان من عام 2013، قام التنظيم بشرعنة ما أسماه البحث عن اللقى الأثرية والاتجار بها، مشترطاً حصول الشخص على رخصة رسمية من "ديوان الركاز" وحصول التنظيم على 40% من ثمن القطعة الأثرية، من بين من حصلوا على هذه الرخص أبو خالد (اسم مستعار لتاجر دخان منذ خمس عشرة سنة)، ترك عمله السابق بعد أن باتت تجارة الآثار "أسهل، وتدرّ أرباحاً أكبر في ظل الدولة الإسلامية" كما يروي لـ"العربي الجديد".

اليوم يعد أبو خالد واحداً من أهم الوسطاء بين المنقبين عن الآثار من الحاصلين على إذن بالتنقيب و"ديوان الركاز" وهو بمثابة قسم الآثار في مدينة الرقة. ويقول حميد خالد الموظف سابق في مديرية الثقافة بالرقة: "يشرف التنظيم على جميع مراحل العملية، بغية فرض ضرائب عليها، من منح التراخيص، إلى عمليات البحث وبيع الآلات الحديثة للتنقيب، وصولاً إلى البيع والشراء عن طريق وسطاء (أمثال أبو خالد)، وحتى التهريب إلى الخارج، تركيا مثلاً، قبل أن يخسر مدينة تل أبيض".

ويحتاج التنظيم في ضوء "العزلة" النظرية المفروضة عليه، إلى رأس مال يحرّك أسواقه المحلية، غير أنه لم يجد حرجاً في السماح لمعظم الإداريين في مؤسسات الدولة وبعض الموظفين بجلب رواتبهم من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، على الرغم من رفض القادة الأمنيين لهذا الأمر، الذي وصفه أحد الوجوه الأمنية البارزة في الرقة، والمعروف بأبو يوسف، بـ "الكفر البواح".

ووفقا لناشطين في الرقة فإن أبو يوسف، متهم منذ ربيع 2014 باغتيال الشرعي أبو حبيب المصري (مصري الجنسية)، على خلفية رفض الأخير تكفير الموظفين لاستلامهم رواتب من دوائر النظام، كما طالب بتعويض كل من يُفصل من عمله، أو يتركه بطلب من التنظيم.

وبحسب وثائق حكومية اطلع عليها نشطاء الرقة إبّان تحرير المدينة بداية 2013 فإن عدد الموظفين في المحافظة يتجاوز الستين ألف موظف، لا يزال ربعهم يتقاضى راتبه حتى اليوم، سواء بحضوره الشخصي في مدينة دير الزور، قبل حصارها من قبل التنظيم، ولاحقاً مدينة حماه، أو من خلال توكيل المحاسب المالي، لاستلام الرواتب وتوزيعها على موظفي الدائرة.

وفي ذات السياق يسعى التنظيم إلى المحافظة على دور مكاتب التحويلات المالية في مناطق سيطرته، لإنعاش الحركة الاقتصادية من جهة، وفرض رسوم مالية على تلك المبالغ من جهة ثانية.

إلا أن التنظيم يفرض رقابة صارمة على تلك المكاتب ويجبرها على تقديم تقارير شهرية إلى المكتب الأمني في الولاية الذي بات يمتلك لوائح بأسماء الأشخاص الحاصلين على تحويلات مالية بالإضافة إلى الجهة والدولة المرسلة، "وهو ما يوضح كيف يستفيد التنظيم من كل شاردة وواردة لتعظيم مكاسبه الاقتصادية غير النفطية" كما يوضح محمود خالد أحد العاملين السابقين في مكتب للتحويلات المالية بالرقة.