مصر.. قانون الكيانات الإرهابية لماذا؟

13 ديسمبر 2014

الأمن المصري ورجال المخابرات يدققون في هويات المارة (22أكتوبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

أقر مجلس الوزراء المصري، أخيراً، قانوناً من تسع مواد، ويتعلق بما أسماها "الكيانات الإرهابية"، ومن يطلع على هذا القانون، المرفوض شعبياً، يجده يتهم كل من يقول لا... للانقلاب بالإرهاب، لا يفرق في ذلك بين كيانات سياسية، أو إعلامية، دولية أو محلية، طالما كانت تعمل داخل مصر.

ومن هنا، يمثل هذا القانون سابقة فريدة من نوعها في تاريخ مصر والمنطقة، تضاف إلى قوانين مماثلة، أصدرتها حكومة الانقلاب في القاهرة، مثل قوانين التظاهر وجباية الأموال، وتستهدف كلها بالأساس تمكين الحكم الجديد من السيطرة على مقاليد الأمور، وإرهاب الناس وإرهاقهم لكي يستكينوا.

ومن يتابع سيرة الانقلابات في العالم، لا يجد أي نظام حكم تم تأسيسه على بنية أي انقلاب عسكري أصدر قانوناً يتيح له أن يوجه اتهامات لصحف وقنوات فضائية ومؤسسات إعلامية ومواقع إلكترونية، داخلية أو خارجية، بممارسة الإرهاب. وربما كان السبب في توجه الحكومة إلى إصدار هذا القانون يرجع إلى إخفاقها في استثمار القضاء لإصدار أحكام تطال تلك الكيانات، وعندما أصدرت محكمة الأمور المستعجلة أحكاماً ضد حركة "حماس" وقناة "الجزيرة"، وغيرها من الكيانات الخارجية، كان للأحكام مردود معنوي، لم يشبع رغبة أهل الانقلاب في التشفي والانتقام، ولذلك، فكرت الحكومة في قانون يمكّنها من أصول تلك الكيانات وأموالها.

ويقضي قانون الكيانات الإرهابية، في مادته التاسعة، بحل الكيان الإرهابي، ووقف أنشطته، وغلق الأمكنة المخصصة له، وحظر اجتماعاته ومشاركة الأفراد في أيٍّ منه بأي وجه، وحظر تمويل أو جمع الأموال أو الأشياء لذلك الكيان، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتجميد الممتلكات والأصول المملوكة له، أو لأعضائه، أو التي يساهم بها الأفراد في تمويل أنشطة تلك الكيانات، أو مساعدته.

ومنذ وقوع الانقلاب في مصر في 3 يوليو/تموز 2013، وظفت سلطات الانقلاب القضاء المستعجل في حظر أحزاب وحركات وجماعات ومصادرة أموالها، لا لشيء إلا لأن هذه الأحزاب أعلنت، بوضوح، رفضها الانقلاب، ومضت في التصدي له ومقاومته، رافعة شعارات السلمية، وهو أمر يجيزه لها القانونان، المحلي والدولي.

وآخر الأحزاب التي تم حظرها، قبل أيام، هو حزب الاستقلال، على إثر جنحة مباشرة أمام محكمة الأمور المستعجلة، أقامها ضد الحزب مدير سابق لنيابة أمن الدولة العليا، واتهم الحزب في أثنائها بممارسة الإرهاب، فما كان من المحكمة إلا أن اعتبرت هذا الحزب الذراع السياسية للتحالف الوطني لدعم الشرعية السياسية وحظرته. ومن أبرز التنظيمات التي تم حظرها، حركة 6 أبريل الليبرالية وجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة والتحالف الوطني لدعم الشرعية.

ويلاحظ أنه، في كل مرة يفكر فيها الحكم في مصر بحظر تنظيم، نجده يوحي إلى عنصر تابع للسلطة باللجوء إلى القضاء، متهما هذا التنظيم بممارسة الإرهاب، وهي تهمة كفيلة بحظر أي تنظيم في مصر. ولأن حزب الاستقلال أحدث تنظيم تم حظره، من المهم أن نتوقف أمام حيثيات الحكم الصادر بحظره من محكمة الأمور المستعجلة، لكي نعرف كيف يفكر من لديهم مقاليد الأمور في القاهرة. وتقول المحكمة في حيثيات حكمها، إن شعار "الإسلام هو الحل" كان سبباً رئيسياً في حظر نشاط الحزب. وهي مقولة حق تريد المحكمة، في حيثياتها، تحويلها إلى باطل، لكون المحكمة تعلم بقرار لجنة الأحزاب بالموافقة على قيام الحزب وبرنامجه ومرجعيته الإسلامية، والسبب الحقيقي لحظره رفضه الإنقلاب.

ولذلك، تصف المحكمة الحزب بأنه "الذارع السياسية لتحالف دعم الشرعية المؤيد للرئيس الأسبق محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان"، كاشفة عن سبب الحل الرئيسي. وتعزز المحكمة السبب الحقيقي للحل، بالقول إنها "قضت بحظر أنشطة جماعة الإخوان، في 23 سبتمبر/أيلول 2013، وقد صدر قرار بحل حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، في 9 أغسطس/آب 2014، في الطعن رقم 49621 لسنة 60 قضائية". ويلفت الانتباه، هنا، أن المحكمة تسيّس عملها وتخرج عن حيادها، وتقول بالنص إن "جماعة الإخوان المسلمين تفتقر إلى الانتماء الوطني، لأنها جزء من التنظيم الدولي للإخوان، وقيادات حزب الحرية والعدالة، وحزب الاستقلال هم قيادات جماعة الإخوان". وهذا خلط أوراق من المحكمة في حيثياتها، وكلامها، هنا، غير دقيق بالمرة، للأسف، ذلك أن مبرراتها، إن انطبقت على حزب الحرية والعدالة، لا يمكن أن تنطبق على حزب الاستقلال، والبعيد كل البعد عن الإخوان.

وعلى كل، جماعة الإخوان المسلمين، في النهاية، اختلفنا أو اتفقنا معها، هي بمثابة جماعة مصرية، تتخذ من السلمية خياراً استراتيجياً لها، في معارضتها الانقلاب، وإن كان لها امتداد دولي فهذا شأن معنوي، أكثر منه تنظيمي، على نحو ما ذكرته المحكمة.

خلاصة القول إنه ثبت للحكومة المصرية أن توظيفها القضاء، غير المختص، مثل محكمة الأمور المستعجلة، في حل التنظيمات السياسية المعارضة لها، من اختصاص المحكمة الإدارية العليا، بعد اتهام تلك التنظيمات بالإرهاب، تقابله ردود أفعال دولية سلبية، تسيء إلى الحكومة، وتكشف كذب مزاعمها عن وجود ديمقراطية في مصر، كما أن هذا التوظيف يسيء للقضاء نفسه.

وبناء على ذلك، تمخضت عقلية ترزية القوانين عن تفصيل قانون الكيانات الإرهابية، لكي تبتعد عن اختصاص المحكمة الإدارية العليا، بشكل يكفل للحكومة السيطرة التامة على التنظيمات والكيانات المختلفة في مصر. وهذا نوع من الحظر أكثر تأدباً لكل كيان سياسي أو غير سياسي، يقول لا للانقلاب، ويرفض سياساته ومنهاجه ومصادرته الحريات والحقوق الآدمية في مصر. 

ومن هنا، يتعين على كل المهتمين بالحقوق الآدمية، داخل مصر وخارجها، أن يعملوا، من خلال المنظمات الدولية، والتي أبرمت مصر اتفاقات تخصها، تتعهد فيها باحترام الحريات والحقوق الآدمية، أن يعملوا على فضح هذا القانون، وفضح العدوان المتواصل على العدالة من الحكومة المصرية، وسياسات تلفيق الاتهامات واتهام الحكومة المعارضين السلميين كذباً بممارسة الإرهاب.

9ADAE124-3D70-4C6F-A3F0-BE3E9E8BA168
صلاح بديوي

كاتب وصحافي وناشط مصري، من مؤلفاته "الاختراق الإسرائيلي للزراعة المصرية"، تسلم موقع الأمين العام للإعلام في حزب العمل المصري، عضو سابق في المجلس الأعلى للصحافة في مصر.