مصر بين السلمية والعنف

09 فبراير 2015
+ الخط -

ليس الفصل في مصر بين الحدثين ممكناً، لأن السبب الرئيسي لحدوثهما واحد، أي بين أعمال العنف والعنف المضاد في شبه جزيرة سيناء، والذي يحدث في بقية أرجاء مصر من أعمال عنف. والسبب الرئيسي لهذا العنف سياسات السلطات الحاكمة في القاهرة، والتي تتخذ من القوة المسلحة خياراً استراتيجياً لمعالجة الخلافات مع خصومها. ولولا أن جماعة الإخوان المسلمين، وهي فصيل رئيسي في الثورة، قد تحلت بالعقل وانحازت إلى المصلحة الوطنية العليا، ورفضت أن تبادل العسكريين عنفهم، وأعلنت، بوضوح وفي كل المناسبات، نبذها العنف، وأصرت علي رفع شعار "سلميتنا أقوى من الرصاص"، لغرقت مصر في بحور من الدماء.

وكانت عمليات العنف قد بدأت في سيناء منذ أواخر عهد الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، عندما فرت عناصر من بدو سيناء إلى جبالها الوعرة في منطقة الوسط وشرقها، وبدأت تتخذ منها ملاذات آمنة، وتغير على رجال الشرطة، حيث تمت مواجهة تلك العناصر بعناصر من القوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية وقتها، وطاردت تلك القوات عناصر العنف في سيناء، حتى منطقة جبل الحلال.

وقد عانى بدو سيناء من التجاهل والتهميش والتمييز، منذ عادت سيناء منزوعة السيادة إلى مصر، بموجب اتفاقية السلام مع إسرائيل، الموقعة في 26 مارس/آذار 1979. وفي هذا المناخ، فوجئوا بمباحث أمن الدولة والقوات الخاصة، أواخر عهد مبارك، تقتحم عليهم تجمعاتهم البدوية البسيطة، وتنتهك أعراضهم وتقاليدهم وتعذبهم، وتلفق إليهم اتهامات قالوا إنهم بريئون منها.

ونتيجة ذلك، تم الحكم على أعداد كبيرة منهم بالإعدام والمؤبد واعتقال الآلاف، من دون محاكمة، ووجهت إليهم اتهامات بمهاجمة المنتجعات السياحية في جنوب سيناء، واستهداف السياح الإسرائيليين. وتسبب هذا الحال في فرار مئات من أبناء سيناء إلى الملاذات الوعرة فيها، ومهاجمة الشرطة المصرية من هناك. وقد نشرت صحف، بعد قيام ثورة 25 يناير عام 2011، في وثائق مسربة، أن بعض تلك التفجيرات التي شهدتها منطقة جنوب سيناء نفذتها عناصر أمنية تابعة لنظام مبارك المنهار، لأسباب تتعلق بأجندة سياسية خاصة به.

وبعد ثورة يناير، وانتخاب الشعب الرئيس محمد مرسي والإسلاميين، جرت تفاهمات بينهم وبين جانب كبير من العناصر المسلحة، اقتنعت بإلقاء السلاح، والانخراط في العمل الوطني، في مقابل إنهاء التهميش والتمييز الذي يواجهه أبناء سيناء. وتم رصد عدة مليارات من الجنيهات لتنمية سيناء، ودمج أهلها في منظومة خدمة الوطن، وكلف الجيش بهذه المهمة.

لكن، لأن حكم الرئيس مرسي لم يكن يروق لقادة الجيش والأجهزة الأمنية وقتها، عمل هؤلاء على إفساد تلك الاتفاقات بوسائل متعددة، وإلقاء الاتهامات عشوائياً على الناشطين الإسلاميين من أهل سيناء، واتهام حركة حماس بدعمهم، وبأنهم يحاولون إفساد العلاقات مع إسرائيل، والتي يضمنها الجيش المصري، باعتباره الراعي الرسمي لاتفاقية كامب ديفيد.

وبالفعل، فور إطاحة الجيش مرسي، في 3 يوليو/تموز 2013، أعلنت الأجهزة الأمنية حرباً لا هوادة فيها على أهل سيناء، دخل الجيش طرفاً أساسياً فيها، وفاق الأمر كل الحدود، عندما تمت تفاهمات بين عسكريين مصريين وإسرائيليين، تحت ستار "مكافحة الإرهاب"، ولأول مرة يسمح للطائرات الإسرائيلية أن تعربد في أجواء سيناء، وتقتل أهل مصر، تحت ستار مواجهة الإرهاب، بل ودخلت قوات كوماندوز إسرائيلية خاصة، لتعقب مصريين في أعماق سيناء.

وقالت القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، أخيراً، إن السلطات الحاكمة في مصر تستجيب لكل طلبات إسرائيل، وبشكل فاق توقعات قادتها. ومن هنا، تم استدعاء النموذج الإسرائيلي في التعامل مع أهل سيناء. وعلى الرغم من أن العناصر المسلحة دعت، في بياناتها، مراراً الجيش المصري والشرطة إلى أن تبتعد عنها، وعن تجمعات البدو وتحترم تقاليدها، وتعهدت بعدم مهاجمة مظاهر السيادة المصرية، إلا أن الأمن المصري واصل عملياته من تجريف المزروعات وهدم المنازل وحرق الممتلكات، فأعلنت تلك الفصائل سيناء ولاية تابعة للدولة الإسلامية، وحرب مفتوحة لتحريرها، والانضمام لداعش.

وقد تابعنا ونتابع هدم مدينة رفح المصرية التي يتجاوز عمرها ألفي عام، تحت ستار دواعي الأمن القومي المصري، والتي تقضي، من وجهة نظر الحاكمة في القاهرة، إحكام الحصار حول غزة، وهو أمر يخدم الأمن القومي الإسرائيلي، ولا علاقة للأمن القومي المصري به. ما تسبب في غضب بدو سيناء، وتفاقم حدة عمليات العنف والعنف المضاد بينهم وبين الجيش، وتحولت الأمور إلى حرب استنزاف بين الجيش والشعب هناك، في تطور يحدث لصالح "إسرائيل" فقط.

وما يتعرض له أهل سيناء، الآن، تتعرض له، منذ "3 يوليو" أطياف واسعة من أبناء الشعب المصري، فالأجهزة الأمنية المصرية تواجه المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي، ولا تكاد تمر تظاهرة من دون سقوط قتلى وجرحى، فضلاً عن الاعتقالات المتواصلة، وعمليات التعذيب، وانتهاك الأعراض والممتلكات. والفارق هنا أن الثوار يرفعون شعار "سلميتنا أقوى من الرصاص"، لكنه لا يمنع السلطات الحاكمة في القاهرة من تصويب الرصاص.

الخلاصة أن الأزمة في مصر بشكل عام، وفي سيناء خصوصاً، على اعتبار أنها إقليم مصري مهم، لن تحل إلا وفق إطار سياسي، ينهي التمييز والتهميش الذي يعيشه أهل سيناء، ويداوي آلام الضحايا، ويجفف دموع الأسر، ويضع حداً للفوضى التي تعصف بمصر الآن، ويكفل لها استعادة الحياة الديمقراطية الحقيقية، مرة أخرى، لكن منطق القوة المسلحة والقتل والأعمال الدموية ستدخل هذا البلد في نفق مظلم. وبالتالي، سيتسبب في استشراء الإرهاب الحقيقي، في كل أرجاء المنطقة.

9ADAE124-3D70-4C6F-A3F0-BE3E9E8BA168
صلاح بديوي

كاتب وصحافي وناشط مصري، من مؤلفاته "الاختراق الإسرائيلي للزراعة المصرية"، تسلم موقع الأمين العام للإعلام في حزب العمل المصري، عضو سابق في المجلس الأعلى للصحافة في مصر.