الأهرامات في مصر (فتحي بليد/فرانس برس)
16 سبتمبر 2020
+ الخط -

بدأت الحكومة المصرية في إجراءات شق طريقين سريعين عبر هضبة الأهرامات التاريخية قرب العاصمة القاهرة، بدعوى تسهيل الحركة المرورية في المنطقة. وجاء هذا المشروع بناءً على تكليفات من الرئيس عبد الفتاح السيسي للهيئة الهندسية للقوات المسلحة، لإحياء مشروع بقي معلقاً منذ تسعينيات القرن الماضي، على إثر حملة احتجاجات دولية قادتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

ويمر الطريق الأول (الشمالي) عبر الصحراء على بعد 2500 متر من هضبة أهرامات الجيزة، بينما يمر الطريق الثاني (الجنوبي) بين هرم سقارة المدرج - أحد أقدم أهرامات منطقة سقارة - ومنطقة دهشور التاريخية، التي تضم هرم سنفرو المائل، والهرم الأحمر، ويتسع كل من الطريقين لنحو ثماني حارات مرورية في الاتجاهين، وذلك بحجة تمهيد حركة الوصول للمناطق العمرانية الجديدة.

والطريق الجنوبي هو جزء من الطريق الدائري الثاني للقاهرة، الذي سيربط مدينة السادس من أكتوبر بالعاصمة الإدارية الجديدة، عبر عمق 16 كيلومتراً من الصحراء مروراً بهضبة الأهرامات، والأراضي الزراعية، وركن من ممفيس، إذ انتشرت الآلات الثقيلة للشركات المتعاقدة مع الجيش لإزالة الحقول، وبناء التقاطعات على طول الطريقين السريعين، وسط تراكم للمئات من أشجار النخيل التي اقتلعت من جذورها.

 

ويمر الطريق بمقابر أثرية للأسرة الثالثة عشرة غير المعروفة، على مسافة قريبة من أهرامات بيبي الثاني، وخنجر، ومصطبة فرعون. وأهملت وزارة الآثار المصرية منطقة ممفيس منذ فترة طويلة، باعتبارها موقعاً معقداً للتنقيب، مع العلم أنها منطقة غنية بالآثار، وتكتظ بالمعابد، والمحفوظات الفرعونية.

وتمثل هضبة الأهرامات الوجهة السياحية الأولى في مصر، بوصفها الناجي الوحيد من عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، وهي أحد مواقع التراث العالمي المسجلة لدى منظمة اليونسكو، في وقت يصر فيه السيسي على شق الطرق السريعة من دون اعتبار للعوامل التاريخية، وتسخير هذه الطرق لتسهيل حركة المرور من وإلى العاصمة الإدارية الجديدة.

وبعيداً عن الأنظار، بدأت عمليات شق الطرق الجديدة في المناطق الصحراوية الملاصقة للمناطق الأثرية في الجيزة، والتي قد تتسبب في أضرار بالغة لأحد أهم مواقع التراث في العالم، وذلك بعد أقل من شهرين من عمليات هدم منطقة "جبانة المماليك" الممتدة على طريق صلاح سالم، بما فيها من مقابر تاريخية وآثار إسلامية تعود لنحو 5 قرون، لشق طريق جديد تحت اسم "محور الفردوس".

 

ووفقاً لأثريين مختصين، فإن الطرق السريعة في مناطق الجيزة ستؤثر سلباً على سلامة هضبة الأهرامات، وتمهيد المواقع الأثرية غير المستكشفة حتى الآن، فضلاً عن توليد التلوث الناتج عن عوادم السيارات، والذي من الممكن أن يؤدي إلى تآكل الآثار، وينتج القمامة، وصولاً إلى إغلاق مناطق مليئة بالكنوز الأثرية المخفية للنهب.

ونقلت وكالة "رويترز" عن المسؤول السابق في منظمة اليونسكو، سعيد ذو الفقار، قوله: "لقد ذهلت مما رأيته عند زيارتي الطريق السريع الجنوبي، فكل العمل الذي قمت به منذ ما يقرب من 25 عاماً أصبح الآن موضع تساؤل!". وقاد ذو الفقار حملة ناجحة في منتصف التسعينيات لتعليق بناء الطريق السريع الشمالي، وهو فرع من أول طريق دائري في العاصمة المصرية.

من جهتها، قالت منظمة اليونسكو إنها "طلبت معلومات مفصلة عن الخطة الجديدة مرات عدة، وطلبت إرسال بعثة مراقبة، وهو ما لم ترد عليه الحكومة المصرية حتى الآن". فيما قال عالم المصريات البريطاني، ديفيد جيفريز، الذي كان يعمل في منطقة ممفيس التاريخية، إن الطريق الجديد يقترب من المناطق التجارية في المدينة القديمة، وأسوار الميناء، والموقع السابق لمقياس النيل القديم، والذي يستخدم لقياس ارتفاع الفيضان السنوي، بحسب "رويترز".

وفي يونيو/ حزيران 2018، كشفت شركة "بريزم إنترناشيونال" الإماراتية عن منحها حق إدارة منطقة الأهرامات بالكامل لمدة 20 عاماً، غير أن الحكومة المصرية خرجت لتنفي تلك المعلومات أمام الغضب الشعبي، الذي ثار حول توسع النفوذ الإماراتي في عهد السيسي، ليشمل السيطرة على تاريخ وحضارة مصر.

 

المساهمون