المؤسسات الفنية الغربية: إقصاء من تجرأ على التضامن مع الفلسطينيين

23 يوليو 2024
متضامنة مع الفلسطينيين في شيكاغو، 11 يناير 2024 (كاثلين هينكل/Getty)
+ الخط -

لا يزال التضامن مع الفلسطينيين في القطاع الفني يؤدي إلى قيود وضغوط تُفرض على المتضامنين في المؤسسات الفنية الغربية. ففي وقت سابق من هذا الشهر، أكّدت مجموعة من العاملين السابقين في معهد الفن المعاصر في لندن (ICA)، أنّ الأخير فصلهم بسبب مشاركتهم في الإضراب العالمي من أجل فلسطين في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ونشْر رسالة مفتوحة على الموقع الإلكتروني موجّهة إلى المعهد، تدعو إلى مقاطعة ثقافية لإسرائيل من دون موافقة إدارة المعهد.
وفي 13 مارس/آذار الماضي، أُعلن في اجتماع لجميع الموظفين أن 14 وظيفة كانت معرضة لخطر الاستغناء. وهذه الوظائف، كان يشغلها الموظفون الذين تلقوا تحذيرات غير رسمية في أكتوبر/تشرين الأول حول الإضراب، فضلاً عن ممثلي النقابات العمّالية الذين كانوا يدعمونهم، ويشمل ذلك مجموعات "الموظفون الثقافيون ضد الإبادة الجماعية" (CWAG) و"الفنانون والموظفون في مجال الثقافة" (LDN).
وفي رسالة إلى موقع هايبرأليرجيك، نفى المعهد اتهامات الموظفين بأنهم طُردوا من العمل بسبب التضامن مع الفلسطينيين. وقيل للموظفين إن الأسباب الكامنة وراء هذه التسريحات كانت مالية. ورُفِض طلب أعضاء النقابة بتخفيض رواتب كبار المسؤولين. وقال ممثل المعهد: "لقد كنا شفافين مع جميع موظفينا منذ البداية؛ فنحن، مثل منظمات فنية وثقافية عدة في المملكة المتحدة، نواجه تحديات مالية كبيرة، مثل تبعات كوفيد-19، فضلاً عن ارتفاع التضخم وأزمة تكاليف المعيشة هنا في المملكة المتحدة".
مع ذلك، فُصل جميع العاملين في قسم الاتصالات الذين تلقوا "تحذيرات غير رسمية" بشأن إضراب التضامن مع الفلسطينيين بالضبط. كما أن "العمّال الآخرين عانوا تخفيض رواتبهم، وتخفيض الأجور، وتخفيض أدوارهم"، بحسب ما أكّدته مجموعة من العمّال السابقين لـ"هايبرأليرجيك". وأضافت المجموعة: "باعتبارنا عاملين سابقين في ICA، نريد أن نوضح أن أولئك الذين كانوا جزءاً من تنظيم هذه الأحداث قد فُصلوا بسبب ذلك"، مشيرةً أيضاً إلى أن ستة موظفين على الأقل استقالوا "سواء تضامناً مع العمّال المفصولين أو ضد سوء الإدارة المالية في ICA وسوء معاملة عمّاله".

مؤسسات الفن ضد التضامن مع الفلسطينيين

ليست الواقعة أعلاه إلا مثالاً واحداً على تزايد القمع الذي يشهده الصوت الفلسطيني وكذلك التضامن مع الفلسطينيين. فمنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول، الذي خلّف أكثر من 38 ألفاً و983 شهيداً و89 ألفاً و727 مصاباً، ووضعاً إنسانياً كارثياً في القطاع مع شح شديد في الغذاء والماء والدواء، ألغيت عشرات المعارض، وأزيلت لوحات، وفُسخت عقود مع فنانين بسبب التضامن مع الفلسطينيين. 

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على سبيل المثال، أعلن الفنان الصيني المعاصر آي ويوي إلغاء معرضه في لندن بعد نشر تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني كذلك، استقالت اللجنة المسؤولة عن اختيار مدير معرض دوكومنتا الشهيرللفن المعاصر في ألمانيا، بعد أن أجبر أحد أعضائها على التنحي بسبب دعمه لحركة مقاطعة إسرائيل. وفي مارس أزال معهد الفن المعاصر في ميامي، لوحة تصوّر المفكر الفلسطيني الأميركي، إدوارد سعيد، قبل حفل جمع تبرعات. 
وفي بريطانيا أيضاً، حدّث مجلس الفنون في إنكلترا سياساته بالتزامن مع التضامن مع الفلسطينيين، محذّراً أولئك المرتبطين بالمنظمات الفنية التي يمولها من أن "النشاط الذي يمكن اعتباره سياسياً علنياً، حتى لو أقيم بصفة شخصية، يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بسمعة المجلس". وسريعاً، اعترض عشرات الفنانين على هذا التحديث، ما دفع ACE إلى إصدار بيان يزعم أنه "لا يعني بأي حال من الأحوال الحد من التعبير الفني".
وفي أميركا كذلك، في نهاية أكتوبر الماضي، تعرّض متحف إل باريو، في حيّ مانهاتن النيويوركي، لانتقادات من الفنانين، بعد قراره الامتناع عن عرض عملٍ فني يظهر فيه العلم الفلسطيني. وكذلك واجهت إدارة متحف فريك بيتسبرغ للفن في ولاية بنسلفانيا اعتراضات واسعة إثر تأجيلها معرضاً للفن الإسلامي.

الفنانون يرفضون قمع الصوت الفلسطيني

سبّب قرار طرد الموظفين من ICA بسبب التضامن مع الفلسطينيين غضب تجاوز المستوى العمّالي، إذ أعلنت الفنانة ريم القاضي، المقيمة في برلين، سحب أعمالها من معهد الفن المعاصر في لندن إذا لم يتحمل المعهد المسؤولية عن الانتقام ضد العمّال الذين أعربوا عن التضامن مع الفلسطينيين. وكتبت القاضي في بيان على "إنستغرام" في 16 يوليو/تموز: "لا أستطيع أن أقبل أن يُستَخدم عملي في خدمة القمع الهيكلي أو تصنيع الأسلحة أو الفصل العنصري أو الإبادة الجماعية"، مضيفةً: "ما لم تستجب قيادة ICA بالكشف والمساءلة، فسأبدأ بسحب معرضي الفردي المعروض حالياً في ICA".
وقالت صاحبة معرض "قوالب التحرير"، المقرَّر أن يستمر حتى 8 سبتمبر/أيلول المقبل، ويتناول عواقب الاستغلال الاستعماري في العراق والمنطقة المحيطة به، من خلال النحت والتصوير الفوتوغرافي والمواد الأرشيفية، في "إنستغرام" إن "المؤسسة لم تكن أبداً بوصلتنا الأخلاقية، إنها فارغة إلا من قلوب عمّالها وأمنائها ومعلميها وعَملهم".
وفي ديسمبر/كانون الأول وقّع أكثر من 1300 فنان، من بينهم كتّاب وشعراء شهيرون، مثل ديبورا فرانسيس-وايت، وكاميلا شمسي، ومارينا وارنر، ولارا باوسون، وآبي سبالين، وكاميلا وايتهيل، رسالة موجهة إلى القطاع الفني والثقافي، تتهم المؤسسات الثقافية في الغرب بـ"قمع الأصوات ووجهات النظر الفلسطينية وإسكاتها ووصمها".

وجاء في الرسالة التي نشرها موقع مجموعة "فنانون من أجل فلسطين في المملكة المتحدة": "هذا مؤشر على ازدواجية المعايير، إذ إن التعبير عن التضامن لا يشمل الفلسطينيين". ونبّه الفنانون الموقعون على الرسالة آنذاك إلى أن مثل هذا التناقض يثير تساؤلات جدية حول التحيز في الرد على "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان".
وأشارت الرسالة حينها إلى أنه "بدلاً من دعم دعواتنا إلى إنهاء العنف، تقمع مؤسسات ثقافية غربية عدة وتسكت وتصم الأصوات ووجهات النظر الفلسطينية منهجياً. ويشمل ذلك استهداف وتهديد سبل عيش الفنانين والعاملين في مجال الفنون الذين يعبّرون عن تضامنهم مع الفلسطينيين، إضافةً إلى إلغاء العروض والندوات، وجلسات النقاش والمعارض، وحفلات إطلاق الكتب".

المساهمون