"حفلة النقانق"... ليست إلّا هلوسة في دماغ أحدهم

23 يوليو 2024
الطعام يريد إبادة البشر كي يحكم "العالم" (أمازون برايم)
+ الخط -

نال فيلم الكرتون "حفلة النقانق" (Sausage Party) الذي صدر في عام 2016 قبولاً متوسطاً لدى الجمهور، فالفيلم ذو الحبكة البسيطة، يخبرنا عن مجموعة من الأطعمة نكتشف أنها طعام، وأن البشر ليسوا مخلّصين، بل أعداء يريدون التهامها، لنجد أنفسنا أمام مزيج من الضحك والبذاءة المفرطة المعروفة عن الأفلام التي يجتمع فيها سيث روغن وجيمس فرانكو وجونا هيل.
بثت، أخيراً، منصة أمازون برايم مسلسل كرتون يحمل عنوان "حفلة النقانق: فودتوبيا" (Sausage Party: Foodtopia)، وهو استكمال للفيلم، يلعب بطولته أيضاً سيث روغن، ما يعني مقداراً من البذاءة لا يمكن وصفه، بذاءة تتجاوز الحدود التقليدية، وتراهن على يوتوبيا جديدة للطعام، كما يشير عنوان المسلسل، بعد كارثة حلت بالبشر وقتلت معظمهم.
يحاول الطعام الناطق في "حفلة النقانق" أن يخلق مجتمعاً جديداً من دون قيود ولا قواعد. لكن، للأسف، فجأة يواجه الطعام مشاكل البشر، أولئك الذي يقتلونهم ما إن "يصطادوا" أحدهم، ليقدَّم قرباناً، إلا واحداً نجا، وتحول إلى مصدر صراع.
لن نخوض في أحداث المسلسل، لكن اللافت أن "حفلة النقانق" قائم على بارودي كبيرة، إذ يستعيد أغاني شهيرة، ويغير كلماتها لتتوافق مع عالم الطعام. الأمر نفسه مع الأفلام والمسلسلات، وكأنه يقدم تحيّة للثقافة الشعبية الأميركيّة منذ التسعينيات إلى الآن، ما يكسبه مسحة نوستالجيّة لا يمكن تجاهلها.
يضطر الطعام إلى إقامة نظام حكم، وندخل في صراع بين الرأسماليين؛ جامعي الأسنان بدلاً من المال، والشيوعيين الذين يريدون مشاركة كل شيء. يشتعل صراع "دموي" إن صح التعبير، يتركنا أحياناً مقشعري الأبدان من شدة العنف الكوميدي الذي نراه. عنف يسخر من وضعنا الحالي في العالم، حيث الشاشات تتحكم بـ"الحقيقة"، والشرطة تتحكم بها السياسة، وصاحب المال، برتقالة في حالة المسلسل، يتحكم في كل شيء.
يكشف "حفلة النقانق" عن أن كل تجمع لا بد أن يواجه مشاكل في الحكم وفي السيادة، وكأن كل ما ينطق، ويعي ذاته، لا بد له من "سيّد"، مهما اختلف نظام الحكم. وهنا يبرز دور البشري الذي نجا، الأكثر قوّة، المنفي خارجاً كالوحش، الذي لا بد من ترويضه. وهذا ما يحصل، إذ تقرّر إحدى حبّات النقانق التعاون مع البشري، كي "يحكم" الطعام بما فيه فائدته.


لا جديد في المسلسل سوى الفرضيات المبهرة والمضحكة (وأحياناً العنيفة) المتعلقة بالطعام وأشكاله وطبيعة حياته المفرطة في البشريّة حد الهزل، وهذا ربما ما يجعله ترفيهاً خفيفاً وشديد الأميركيّة في الوقت نفسه. عمل هزلي يعكس المشاكل السياسية التي تواجهها الولايات المتحدة، وكأننا أمام ساتير أو تعليق سياسي ساخر، يكشف أنّ "كلّ ما ينطق" لا بدّ له من "طاغية" لحكمه. تعليق يصل إلى حد استعادة تاريخ أميركا نفسه، ونظامها الديمقراطي القائم على إبادة جماعية، فكما أبيد السكان الأصليون، الطعام يريد إبادة البشر كي يحكم "العالم"، وتسود "ديمقراطيته".
يمكن التدليل على نظرية مفادها أن المسلسل بأكمله ليس إلا هلوسة في دماغ أحدهم، فكي يدرك البشري أن الطعام يتحدث، لا بد له من استنشاق "صابون الاستحمام"، المادة التي يستخدمها بعضهم كمخدر في الولايات المتحدة، وهذا ما يفعله الطعام بالبشر، فلربما إذن كل ما نراه ليس إلا هلوسة متجددة مع كل "نشقة" تُصب فيها "مشاكل" و"قلق" و"أيديولوجيا" البشري في الطعام الذي يبحث عن مخلص، للمصادفة هو البشري الوحيد الموجود بينهم.

هذا ما يحيلنا إلى سيث روغن نفسه، الشهير بإنتاجه أفلام الـStoners، أي مدخني الممنوعات المنتشين طوال الوقت. هي أفلام كوميدية بذيئة قائمة على أساس تدخين الممنوعات. وربما ما نشاهده ليس إلا نتاج "تدخين" روغن، الذي يهلوس حول الطعام، وقرّر صناعة مسلسل يحوي شخصية تشبهه؛ شاب "يستنشق" صابون الاستحمام كي يتحدث الطعام أمامه.

المساهمون