مصر السيسي... معتقل يضيق

27 سبتمبر 2019
انتشر التخويف بمصر منذ وصول السيسي (أنجيلا ويس/فرانس برس)
+ الخط -
لو أن العربي قارن بين توحش الأوليغارشية المصرية وبين تلك الحاكمة في بلده، والممعنة نهباً وإفساداً، فلن يصل إلى نتيجة سوى أنها متطابقة في عسكريتاريتها ووحشيتها الأمنية. نشر الرعب والتخويف في مصر منذ العام 2013 لا يختلف عن واقع عربي آخر انتهج ذات الوسائل في جمهوريات العرب المحكومين من "القائد الإله"، وباستدعاء طفيليات ثقافية وإعلامية، والأخطر دينية، تعتاش على تبرير الخنوع والرضا بـ"العوز والفقر"، من المهد إلى اللحد. صحيح أن ثمة تفاوتاً بين نسب الفقر والعشوائيات في جمهوريات كذبة "التقدمية"، بيد أن من الصحيح أيضاً أن الإنسان العربي، بأجيال مختلفة، عاش ويحيا نفس الواقع المرير، الذي حولته أحياناً أعمال التهريج المسرحي إلى تنفيس يؤجل الانفجار.

فشعار مراكز المدن هو: "لا حياة في هذا القطر إلا للتقدم والاشتراكية". في سورية مثلاً، لم يكن سوى يافطة تخفي حقيقة ما عاشه شعب أرياف البلد تعليماً وصحة وكهرباء، ونشراً متعمداً للتجهيل، وتسليط العصا الغليظة، الضاربة على رؤوس البشر باسم الوطنية و"الخيانة"، وخلق مزيد من التخلف والأمية.

لا يختلف خطاب عبد الفتاح السيسي الشعبوي، مستعيناً بتربية وثقافة من سبقه في إدارة مصالح الأوليغارشية عن الفقر والعوز، عن خطابات عربية أخرى معممة لشعار "اللهم أعز ولاة أمرنا"؛ باعتبار كل حق طبيعي وبسيط "نعمة" كهبة من "القائد الإله".

يغضب الديكتاتور متنمراً إذا ما اهتزت مشاريع خلق سلالة وراثية حاكمة، ويشهر عصاه الغليظة إن سقط قناعه، فيحول الأوطان إلى معتقلات كبيرة، يفتش فيها عسكره حتى عن النيّات. بالطبع الأمر ليس محصوراً بشخص السيسي، بل بمرضٍ عربي أشمل. فالاعتقالات الأخيرة في مدن مصر هي مسطرة الديكتاتورية العربية إن ضاقت ذرعاً حتى بأقرب الناس في محيط هوائها الفاسد، أو من اعتاش على فتات شعارات "محاربة الإسلام السياسي" كتعبير عن جبنٍ ظاهري وخفي.

بين صورة الديكتاتور محلياً، ودونيته أمام الغرب تملقاً وطلب شرعية وحماية، لا يستوعب الحكام المحتقرون لشعوبهم أن تلك المسطرة جُربت قبلاً في هذا العالم، ولكنها في نهاية المطاف لم تنفع. مصر اليوم، التي لا يراها الحاكم سوى قصور وسجون ونهب وتوطئة توريثية، وبحاشية طفيلية تصفق له، بدروشة دينية وثقافية، تحولها الأوليغارشية إلى نموذج واقعي، لا افتراضي، لكل معاني الانفجار، الذي هو بالمناسبة ليس استثناءً فقد مرت به شعوب أخرى غير عربية، وبالأخص حين تصير البلاد أضيق من الزنازين ومن أوهام انقلابي ظن أنه "قائد باختيار إلهي".

المساهمون