يكتسي لقاء لوبورجيه السنوي لمسلمي فرنسا الثاني والثلاثون، الذي ينظمه اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، أهمية كبرى نظراً لأن هذه السنة حفلت بالمستجدات التي تهم أفراد الجالية الإسلامية في فرنسا وأوروبا، وخصوصاً أن هذا اللقاء السنوي يعتبر موعداً ضروريّاً لكل مسلمي أوروبا.
وتبدأ أعمال لقاء لوبورجيه غداً الجمعة وتستمر حتى 6 إبريل/نيسان الجاري، ويعتبر أهم لقاء جماهيري سنوي في فرنسا إلى جانب لقاء لومانيتيه الذي ينظمه الحزب الشيوعي الفرنسي.
وإذا كانت ظروف الربيع العربي وما تعرفه ثوراته من نكوص ومؤامرات، في العديد من الدول العربية، وما يشهده العالَم العربي من تمدّد إيراني، بلا رادع، وجمود العملية التفاوضية في فلسطين، ولجوء الكيان الإسرائيلي، بين فترة وأخرى، إلى عمليات إبادة ومذابح، كان آخرَها على غزة والتي أثارت غضب مجموع مسلمي فرنسا وأوروبا، فقد أضيفت لكل ذلك مشاكل تتعلق بصميم وجودهم في الغرب، لا سيما بعد الاعتداء التي تعرضت له الصحيفة العنصرية والإسلاموفوبية "شارلي إيبدو" (التي ركزت، مؤخراً، على الإساءة إلى النبي محمد (ص)، وعرض رسوم كاريكاتورية عنيفة ومسيئة له).
وغيّر الاعتداء وتبعاته الكثير من العلاقات، فازدادت ريبة المؤسسة الرسمية من مسلمي فرنسا، ما جعل هؤلاء يشعرون وكأنه يُطلب منهم أكثر مما يُطلَب من المواطنين الآخَرين، كما انفجرت بشكل قياسي، أعمال واعتداءات إسلاموفوبية، حسب إحصاءات المَرصد الفرنسي لمكافحة الإسلاموفوبيا. ويزداد الخطاب الذي يشدد على عدم قدرة الإسلام على التلاؤم مع العلمانية الفرنسية. وتخلل كلَّ هذا مزايدات سياسوية، تُطالِب بفرض لحم الخنزير، حصرياً، في المطاعم المدرسية ومنع الحجاب على طالبات الجامعات الفرنسية. ووصلت الذروة مع تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس بضرورة محاربة السلفيين والإخوان المسلمين في فرنسا، والتي أثارت الذهول والاستغراب والغضب.
في هذه الظروف القاسية التي يعرفها مسلمو فرنسا وأوروبا، حيث الهموم تتشابه إن في الدنمارك أو هولندا أو بلجيكا، بعد أن تجرأ سياسي بلجيكي على مهاجمة طائفة بأكملها، وهي أمازيغ المغرب، ينعقد هذا اللقاء السنوي، الذي ينجح، في كل دورة، في جذب أكثر من 150 ألف زائر.
وردّاً على كل مشاعر الخوف من المسلمين في فرنسا وانتشار الأفكار المسبقة والمغلوطة عن الإسلام، رغم التاريخ الطويل من العلاقات الفرنسية العربية، قرر منظمو هذه الدورة أن يكون الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو شعار الدورة وموضوعها المركزي، انطلاقاً من الآية الكريمة "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالَمين".
وسيكون للزوار موعد مع سلسلة من المحاضرات واللقاءات، ولعلّ أهمها وأكثرها جذباً للمستمعين مداخلة المفكر الإسلامي السويسري طارق رمضان، الذي فاجَأ هذه الدورة بكتاب جديد بعنوان "عن الإسلام وعن المسلمين"، يناقش فيه مواضيع متعددة من بينها: الدين والعلمانية والمواطنَة والهجرة والاندماج والتعددية الثقافية والتطرف.
وقد وجّه المفكر طارق رمضان، في موقعه الإلكتروني، الدعوة للجميع إلى حضور هذا اللقاء، خصوصاً بعد كل هذه التحديات التي تواجه مسلمي أوروبا، داعياً إلى استلهام الآية الكريمة، التي جعلت من النبي رحمة للعالمين، والتي تستلزم منّا أن نكون كذلك، في الحاضر وفي المستقبل.
وتجدر الإشارة إلى تعرّض رمضان خلال فترة طويلة للمنع في فرنسا، قبل أن يُخفَّف نشاطه، كما أن هذا اللقاء السنوي شهد عبر السنوات الماضية حضور شخصيات إسلامية بارزة مثل العلامة يوسف القرضاوي، قبل أن يقرر الفرنسيون، بسبب ضغوط صهيونية، سنة 2012، منع مجيئه من جديد.
وللّقاء السنوي دور ثقافي وفكري لا يستهان به، وهو ما أكده الباحث والناشر يحيى الشيخ، لصحيفة "العربي الجديد"، حين ذكّرنا "بالدور الذي لعبه تأسيس "لقاء لوبورجيه السنوي"، بضاحية باريس، الذي يجمع مسلمي فرنسا وأوروبا، والذي ابتدأ سنة 1988، وساهم ولا يزال، بشكل رائع، في ترويج الكتاب العربي والمدرسي، وفي الانفتاح على شباب الجيلين الثاني والثالث من الهجرة وربطهم ببلدانهم الأصلية، لا سيما عبر اللغة العربية وتعليمها".
وقد شجع هذا اللقاء السنوي الهام على ظهور العديد من دور النشر العربية والإسلامية كما أنه دفع الكثير من دور النشر الفرنسية مثل "غراسي" و"سُويْ" لترجمة الكتاب العربي إلى الفرنسية، مستفيدين من الاعتداء للترويج للموضوعات والقضايا الإسلامية، ما يخدم مصالحهم التجارية.
وأخيراً، يجب أن نُذكّر بأن تنظيم هذه التظاهرة الثقافية والفكرية والسياسية والدينية الكبرى، من قبل اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، القريبة من الإخوان المسلمين، في ظروف استثنائية، يعتبر نجاحاً كبيراً لهذه المنظمة لخدمة مسلمي فرنسا، بمسؤولية وسلمية وشفافية، رغم حملات وسياسات صدَر آخرُها عن حزب الجبهة الوطنية، وبعدها من طرف رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس.
اقرأ أيضاً:التشدّد يدفع إلى إبعاد القاصرين عن ذويهم