متحدٍّ وحالم..رومانسي وواقعي... أسرار خفيّة وراء فكر نجوم التدريب

02 ديسمبر 2014
شخصيات المدربين تظهر في الملعب (العربي الجديد)
+ الخط -


كارمن مارتينيز، امرأة عجوز تبلغ من العمر 85 عاماً، تعيش بمفردها في شقة صغيرة. وبسبب صعوبة الأحوال الاقتصادية وعدم وجود عائل خاص بها، تراكمت الديون عليها ولم تنجح في دفع الإيجار عدة أشهر، فكان المصير الحتمي الطرد من الشقة التي عاشت فيها منذ خمسين عاماً.

تنتقل القصة بسرعة إلى العديد من الأشخاص، حتى تصل إلى باكو خيميز المدير الفني لفريق رايو فاليكانو، الذي قام بدوره بإيصال الموضوع لفريقه، وسريعاً قام اللاعبون والجهاز المعاون والمدرب بجمع المال المطلوب، ودفع الإيجار المستحق والقادم، حتى تكون الشقة من حقها للأبد.

انتشرت هذه الحالة الإنسانية الرائعة في مختلف الصحف الإسبانية والإنجليزية، في دلالة واضحة على علاقة كرة القدم بكل أمور الحياة، وبحالة الحلم التي يعيشها دائماً مدرب فاليكانو، السيد باكو الذي يلعب بشكل هجومي ولا يدافع أبداً مهما كانت قدرات خصومه وقوة منافسيه. لذلك انعكست شخصيته خارج الملعب لتصنع علامة مميزة له داخل المستطيل الأخضر، ولأن اسم المدير الفني أصبح مهماً لكل المشجعين، فكان لزاماً التركيز على شخصية أشهر الأسماء التكتيكية ومدى تأثيرها على فكرهم الكروي في الملاعب.

المتحدي
بعد التطور الكبير في مستوى مورينيو التدريبي أثناء تواجده مع برشلونة، انهالت عليه العروض من أجل خطوة كبيرة، واختار جوزيه في النهاية طريق المخاطرة، وقرر العودة إلى وطنه كمدير فني لأحد أعرق الأندية على مرّ تاريخه. بدأ مورينيو مهمته مع بنفيكا، وحصل على وعد من رئيس النادي، السيد مانويل فيلارينهو، بالحصول على عقد أطول مع الفريق إذا نجح في الفوز على الغريم سبورتينج، وهذا ما حدث بعد انتصار بنفيكا على سبورتينج في ديربي العاصمة لشبونة، لكن وعد الرئيس لم يتحقق، ويحدث الصدام القوي بين المدير الفني والرجل الكبير في الإدارة، ليقرر جوزيه الرحيل بعد فترة لم تستمر أكثر من ستة أشهر مع بنفيكا.

لينتقل إلى النادي المتواضع يونيو دي لييرا ثم بورتو، ويشرع جوزيه في تكوين شخصيته الخاصة خارج المستطيل الأخضر. قرر أن يضيف بعض الأمور الجديدة التي تميّزه عن أقرانه ومنافسيه، وهذا ما حدث حينما دخل في حروب كلامية لا تتوقف، مع إدارة بنفيكا وجهازهم الفني أثناء بطولة الدوري عام 2003، واستفز جوزيه جمهور النادي الأحمر كثيراً، وأصر في كل مؤتمر صحفي على رمي بعض الكلمات التي تشير إلى خسارة بنفيكا لمورينيو، ومكسب بورتو الكبير بالظفر بالمدرب الشاب.

لذلك فإن فكرة الانتقام والتحدي سيطرت على أفكار الرجل الخاصة كثيراً، حتى أصبحت السمة الرئيسية لكل تجاربه الكروية، سواء في ولايته الأولى مع تشيلسي وحربه ضد أرسين فينجر وأليكس فيرجسون، ثم الإنتر والصراع مع الإعلام الإيطالي، ووصل الصراع إلى قمته مع ريال مدريد والكراهية المتبادلة بين المدرب وأنصار برشلونة، ويبدو أن خلافه القديم مع بنفيكا جعله ينتهج هذا الطريق حتى اليوم.

الحالم
وإذا تحدثنا عن مورينيو، فالأفضل أن ننتقل إلى غريمه التقليدي وعدوه اللدود بيب جوارديولا، المدرب الذي يدين بالكثير إلى ثعلب إيطاليا العجوز كارلو ماتزوني، العجوز الذي التقط بيب بعد انتهاء مسيرته مع برشلونة كلاعب وفشله في حجز مكان أساسي بتشكيلة روما كابيلو. لذلك حاول اكتشاف نفسه مرة أخرى رفقة بريشيا والنجم الأسطوري روبرتو باجيو في فريق يقوده ماتزوني.

تعلم بيب من كارلو الكثير، لدرجة أنه كان يجلس معه قبل وبعد التدريبات في بريشيا كثيراً، من أجل الحديث عن التكتيكات والأفكار الفنية. لذلك كان بيب مدرباً قبل أن يحترف المهنة فيما بعد مع برشلونة. وفي نهائي روما الشهير 2009، عاصمة الخلود تستقبل برشلونة ومانشستر في جيل تاريخي للسير أليكس فيرجسون، قام بيب بدعوة مدربه الأسبق ماتزوني لحضور المباراة النهائية، لكي يرد له جزءاً من جميله عليه، ويشهد الفوز بثلاثية بديعة أصبحت سداسية تاريخية.

ومن الطبيعي أن تنعكس شخصية جوارديولا الرومانسية داخل الملعب مع الفرق التي يدربها، لذلك يصر المدرب على صناعة أسلوب كروي خاص به، قائم على تكامل الأداء قبل النتيجة، لأنه يعتقد كما قال ساكي أن الفوز يُحفظ في سجلات التاريخ، لكن الطريقة هي من تعيش داخل قلوب وعقول الناس، وكرة القدم في النهاية بمثابة الفلسفة، ولكل شخص طريقه الخاص.

الوفاء
صنع مارسيلو بييلسا سمعة كروية رفيعة المقام خلال سنواته مع المستديرة، ولكونه أرجنتينياً غير صبور، يعشق اللعب إلى الأمام والنقل السريع للكرات، مع الضغط العالي الذي جعله يصنع إمبراطورية خاصة في أميركا اللاتينية، ليس فقط مع منتخب شيلي الذي يسير حتى الآن وفق مبادئ "اللوكو"، بل أيضاً لفريق نيو أولد بويز، النادي الذي بدأ معه بيلسا مسيرة الكفاح مطلع التسعينيات، وحقق إنجازاً كبيراً بالفوز بالدوري المحلي والوصول إلى نهائي كوبا ليبارتادوريس.

وبسبب اختلاف الأجواء وزيادة حدة التنافسية في الملاعب العالمية، مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ضربت معظم الفرق في أوروبا وأميركا اللاتينية، قام المدرب الكبير بعمل تصرف راقٍ وأنيق حينما تبرع بمبلغ وقدره 1.6 مليون يورو لفريقه القديم، من أجل بناء فندق ومجمع كبير للاعبين في مختلف الفئات السنية للنادي، وأرادت الإدارة وضع اسمه على المبنى الجديد، لكنه رفض وأصر على تسميته باسم نيو أولد بويز.

هذه القصة بسيطة التفاصيل كبيرة المعاني، تشير إلى طريقة بيلسا التدريبية، وفكره اليساري في كرة القدم الأقرب إلى تطبيق الأفكار الفنية دون خوف أو تراجع. ورغم عدم حصوله على بطولات عديدة، إلا أنه نجح في صناعة مدرسة فنية خاصة به، يسير عليها مختلف المدربين في الفترة الحالية وخلال المستقبل، لأنها أفكار لا تموت أبداً مهما مرّت السنوات.

الكلاسيكي
في مقال قديم للكاتبة "ايمي لاورينس" حول أرسين فينجر، الأستاذ الذي يملك نظرة خاصة وفلسفة مختلفة في كرة القدم، تركّز على الاهتمام باللاعبين الصغار والاعتماد عليهم في سن مبكرة، وتكوين فريق يعتمد بشكل أساسي على مجموعة محدودة من النجوم الكبار، سئل فينجر عن فكرة مساعدة مجموعة أخرى له في صناعة القرار الرياضي داخل النادي.

وقبل أن يُكمل المحرر السؤال، عاجله فينجر بإجابة سريعة، NO! أرسين هو المسؤول عن كل شيء ممكن في أرسنال، بداية من إعداد الخطط وقراءة المباريات والتغييرات، إلى مراقبة فرق الناشئين والتعاقد مع لاعبين جدد، والسماح برحيل نجومه. طبعاً يساعده عدة أشخاص، لكنه المسؤول الأول والأخير عن أي قرار ممكن.

يقول فينجر: "لو اشترى الإداري لاعباً ولم يؤدِّ بشكل مميز، سيلام في النهاية الإداري المسؤول عن التعاقدات فقط. وإذا أدى بشكل جيد سيُشكر المدير الفني. أنا لست بالشخص السوبر، وأرحب بمساعدة الآخرين، لكنني ضد فكرة المدير الرياضي الذي يتدخل في كل كبيرة وصغيرة بالمشروع الكروي". لتظهر العواقب خلال السنوات الحالية بوضوح، لأن الفرنسي أشبه بالرجل الذي توقف به الزمن في سنوات قديمة وزمن آخر، وشخصيته "الكلاسيكية" أثرت فعلياً على أدائه الفني مع آرسنال، سواء بالدوري أو التشامبيونز.

الأستاذ الفرنسي رجل يُهمل تماماً عامل الزمن، ولا يتعامل مع التطورات الكبيرة في عالم اللعبة، وكأنه شخص مصمم على لعب "فيفا 98" في وقت يتنافس فيه الشباب على إتقان الألعاب الإلكترونية الجديدة، ويعقدون المقارنات بين "فيفا 15 وبيس"، لذلك لا تنفع البساطة في كل الأحوال، خصوصاً وسط تعقيدات فنية وتكتيكية عديدة، ومنافسة لا تسمح أبداً بفكرة الرفاهية الخططية على طريقة فينجر.

المساهمون