مبادرة لوقف الاقتتال في إدلب وبدء تفكّك "تحرير الشام"

21 يوليو 2017
شهدت مناطق عديدة تظاهرات ضد "هيئة تحرير الشام" (الأناضول)
+ الخط -

خفّت حدّة الاشتباكات بين "حركة أحرار الشام" و"هيئة تحرير الشام" في الشمال السوري، في ظلّ مبادرة لوقف الاقتتال بين الطرفين، أعلنت الحركة الموافقة عليها، من دون إصدار موقف رسمي من "هيئة تحرير الشام" التي تتنازعها كما يبدو خلافات داخلية بين فريق مؤيد للقتال وآخر معارض. وهي خلافات قادت أمس الخميس، إلى بدء تفكك الهيئة من خلال انفصال حركة "نور الدين الزنكي" عنها بعد ستة أشهر فقط من انضمامها إليها.

في هذا السياق، ذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن "اشتباكات متقطعة وقعت أمس في كلٍ من مرعيان وكفرحايا، جنوب إدلب، من دون أن يحدث تبدل في مواقع السيطرة". وكانت الاشتباكات الأعنف قد وقعت يوم الأربعاء، وأسفرت عن سقوط نحو 25 شخصاً من الطرفين ومن المدنيين، إضافة إلى أسر نحو عشرة من كل طرف لدى الطرف الآخر.

وأسفرت المعارك عن سيطرة "هيئة تحرير الشام" على العديد من المناطق، تحديداً تلك القريبة من معبر باب الهوى، الخاضع لسيطرة "أحرار الشام"، وهو المنفذ الرئيسي لمحافظة إدلب نحو تركيا. وسيطرت الهيئة وفق ناشطين، على جميع البلدات الحدودية مع تركيا باستثناء معبر باب الهوى. كما سيطرت على مدينة سراقب وبلدتي الهبيط جنوب مدينة إدلب، والدانا شمال المدينة، إضافة إلى منطقتي عزمارين وتل عمار. وأسفرت المعارك أيضاً التي استخدمت فيها الدبابات والمدرعات والأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وتخللها حملات دهم واعتقال عن سيطرة الهيئة على صوامع الحبوب في مدينة سراقب وبلدة إسقاط غرب إدلب، وسط أنباء عن سيطرتها على حرش عابدين، جنوب إدلب أيضاً. في المقابل، سيطرت "أحرار الشام" على قرية كفروما، وحاجز البياضة قرب بلدة احسم، إلى جانب حاجز 40 قرب قرية الرامي بريف إدلب الجنوبي.

وارتفعت حدة التوتر في الأيام الأخيرة بين الفصيلين الأكبر في محافظة إدلب في ظل حالة من التنافس والاستقطاب بينهما. واندلعت شرارة المعارك الحالية على خلفية رفض "هيئة تحرير الشام" رفع علم الثورة السورية في معظم بلدات ريف إدلب، وذلك رغم الاتفاق الموقع بين الطرفين لحل جميع القضايا العالقة بينهما.

جاء ذلك بينما أعلنت "حركة أحرار الشام" موافقتها على مبادرة لوقف القتال أطلقها بعض المشايخ. وذكرت الحركة في بيانٍ لها أنها "كانت، وما زالت، حركة أحرار الشام أبعد الناس عن البغي وأعفهم عن الدماء يقيناً منهم أن لا رابح من الاقتتال سوى النظام وأعوانه".

ونصّت المبادرة، التي صدرت عن ثلاثة مشايخ هم: أبو محمد الصادق، وعبد الرزاق المهدي، وأبو حمزة المصري، على "تفويض ثلاثة أشخاص مخوّلين باتخاذ القرار نيابة عن كل فصيل، على أن يُرجّح ثلاثة مستقلين آخرون القرارات المتفق عليها بين الطرفين". ودعت المبادرة إلى "وضع رؤية ملزمة وشاملة، تراعى من خلالها الحقوق السياسية والعسكرية والمدنية للأطراف جميعاً، خلال سبعة أيام من تاريخ بدئها".



ولاقت المبادرة ترحيباً واسعاً من مختلف الأطياف العسكرية والاجتماعية في المحافظة وعموم البلاد. وأفادت حركة "أجناد الشام" وعدد من الشخصيات البارزة بأن "هذه المبادرة هي خير مخرج للأزمة الراهنة، على أن تكون ملزمة ويتعهد الجميع بتنفيذها". كما تعهَّدت الحركة بوضع جميع إمكاناتها تحت تصرف المشايخ لإنجاح المبادرة ووقف القتال بين الطرفين. وأعلن عدد من الشخصيات الشرعية البارزة تأييد المبادرة، مثل توفيق شهاب القائد السابق لحركة "نور الدين زنكي"، ومروان أبو أحمد مسؤول التنسيقات في حماة.

أما "هيئة تحرير الشام" فقد أصدرت ما سمته "تعقيباً موجزاً على المبادرة"، قالت فيه إنها "لم تبدأ القتال إنما كان تحركنا لردّ بغيٍ وعدوانٍ صبرنا عليه ملياً"، معتبرة أن المبادرة كسابقاتها التي "لم تصل للساحة إلى المستوى المطلوب أن تكون عليه من توحدها على ما يرضي الله". واشترطت الهيئة أن "تكون المبادرة قادرةً على إنهاء حالة التشرذم والفرقة، وتطرح مشروعاً لإدارة المناطق المحررة، إدارة تملك قرار السلم والحرب وتتخذ القرارات المصيرية، بعيداً عن التغلب السياسي ومراهنات المؤتمرات وتلاعب القوى الدولية". وكانت شخصيات بارزة في الهيئة أعلنت موافقتها على المبادرة، وذلك وسط ما يبدو أنه انقسام داخل الهيئة بشأن طريقة التعامل مع التطورات الجارية.



وغرّد القائد العسكري في الهيئة، أبو صالح طحان، عبر حسابه الرسمي على موقع "تويتر"، قائلاً: "نشدّ على أيدي إخواننا من طلاب العلم عسى الله أن يكف بأس كل ذي بأس عن أخيه، ونسأل الله أن يحقن دماء المسلمين". كما نفى القاضي الشرعي في "هيئة تحرير الشام"، عبد الله المحيسني، صدور فتوى من المجلس الشرعي للهيئة بجواز القتال بين الفصائل. وقال عبر قناته على "تليغرام"، "لن نترك سبيلًا نحقن فيه الدماء إلا سنسلكه، وإنني كمهاجر، تركت الأهل والولد وجئت لنصرة أهل الشام، وآليت على نفسي ألا أخوض في قتال داخلي إلا بالسعي للإصلاح".

وكشفت العديد من المعطيات أن ثمة فريقين داخل الهيئة بشأن القتال مع "أحرار الشام". وبما بدا أنه ردّ على كلام المحيسني، قال مسؤول العلاقات الإعلامية في الهيئة، عماد الدين مجاهد، عبر حسابه في "تلغرام"، إن "للهيئة صفحاتها الرسمية التي تنشر مواقف قيادتها ومجلس شوراها. وكل ما يتم نشره عبر الصفحات الشخصية، لا يمثل إلا رأي أصحابها وتوجهاتهم". واعتبر مجاهد أن "أحرار الشام" هي من أعلنت الحرب.
وبحسب بعض المعطيات فإن "المحيسني يقود التيار المناهض للاقتتال الداخلي، ومعه الشرعي العام أبو الحارث المصري، بينما يقف في الطرف الآخر القائد العسكري العام، أبو محمد الجولاني، والشرعي عبد الرحمن عطون، وقائد قطاع حماة أبو يوسف حلفايا، إلى جانب الشرعيين المصريين الثلاثة أبو الفتح الفرغلي، وأبو اليقظان المصري، وأبو شعيب المصري".

وظهرت يوم الأربعاء، بوادر هذه الخلافات من خلال إعلان "حركة نور الدين زنكي" انفصالها عن "هيئة تحرير الشام"، بعد حوالي ستة أشهرٍ من اندماجهما ضمنها مع فصائل أخرى. ونوّه بيان للحركة إلى أن "الانفصال جاء بسبب عدم تحكيم الشريعة التي بذلنا الغالي والنفيس لتحكيمها، من خلال تجاوز لجنة الفتوى في الهيئة وإصدار بيان عن المجلس الشرعي من دون علم أغلب أعضائه، وعدم القبول بالمبادرة التي أطلقها العلماء الأفاضل لوقف الاقتتال في محافظة إدلب".




والسبب الثاني للانفصال بحسب البيان هو "تجاوز مجلس شورى الهيئة في قرار قتال أحرار الشام، علماً أن تشكيلها بني على أساس عدم البغي على الفصائل". وعاهدت الحركة الشعب السوري على "المضي قدماً نحو تحقيق أهدافه المتمثلة في إسقاط النظام المجرم وتحكيم شرع الله على الأرض السورية". وشكّلت الهيئة باندماج عددٍ من الفصائل، في يناير/كانون الثاني الماضي، أبرزها: "حركة نور الدين زنكي" و"جبهة فتح الشام"، التي فكّت ارتباطها بتنظيم "القاعدة".

وذكرت أوساط مطلعة أن "الأجواء الدولية المرتبطة بجعل محافظة إدلب واحدة من مناطق خفض التوتر، التي تم تحديدها في اجتماعات أستانة، وما تبع ذلك من تكهنات بشأن تدخل تركي في المحافظة للإشراف على تطبيق هذا الاتفاق، أثار الشقاق بين تيارٍ داخل هيئة تحرير الشام يريد إنهاء العزلة الدولية، وتيارٍ يريد قتال تركيا والفصائل التي تدعمها وفي مقدمتها حركة أحرار الشام وفصائل الجيش الحر". وما بين هذين الفريقين، غاب موقف القائد العام للهيئة، هاشم الشيخ (أبو جابر)، وهو الآتي من "أحرار الشام" إلى التشكيل الجديد.

وزاد في حدة التوتر، التطورات الداخلية التي تكثفت أخيراً داخل "أحرار الشام"، التي توّجت بتبنّي الحركة "علم الثورة السورية"، ورفعها في كثير من أنحاء المحافظة، قائلة إنها تسعى إلى مشروع إدارة موحدة في المحافظة، بدأته بتشكيل مجلس قضائي ويعتمد القانون العربي الموحد.

من جهتها، أفادت الفصائل العسكرية المنضوية في "الجيش الحر" بريف حلب الشمالي، بأنها "تدرس كل الاحتمالات، بما في ذلك الدخول إلى محافظة إدلب، لوقف الاقتتال بين الطرفين". وقال قائد فرقة "السلطان مراد"، أحمد عثمان إن "مشاورات بين قادة الشمال بشأن هجوم النصرة على مقرات الأحرار، لكن حتى الآن لا يوجد أي قرار نهائي". كما ذكرت مصادر أن "فصائل درع الفرات، شمالي حلب، المدعومة من تركيا رفعت جاهزيتها وسط احتمالات للانتقال إلى إدلب، عبر الأراضي التركية، لكن كل ذلك يتوقف على موقف تركيا التي لم تعلّق رسمياً حتى الآن على ما يجري في إدلب". وكانت تركيا لوحت في وقت سابق، بإمكانية التدخل في المحافظة، لفرض اتفاق "تخفيف التوتر"، المتفق عليه في اجتماع أستانة بضمانة تركية - روسية - إيرانية.