ما بعد الانفجار... سكان بيروت مشرّدون ويلملمون الركام

بيروت

سارة مطر

avata
سارة مطر
06 اغسطس 2020
ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻻﻧﻔﺠﺎﺭ... ﺳﻜﺎﻥ ﺑﻴﺮﻭﺕ ﻣﺸﺮّﺩﻭﻥ ﻭﻳﻠﻤﻠﻤﻮﻥ ﺍﻟﺮﻛﺎﻡ
+ الخط -

مع شروق شمس يوم جديد، يتكشّف أكثر فأكثر حجم الدمار الذي طاول بشكل أساسي العاصمة بيروت وسكانها، وقد فاق حجم الدمار القدرة على التصوّر، بعدما أدى الانفجار في مرفأ بيروت إلى سقوط مئات القتلى والجرحى والمفقودين، عدا عن تشريد آلاف العائلات القاطنة في قلب العاصمة أو المناطق المحيطة للمرفأ، بعد انهيار منازلها أو تصدّعها أو تطاير واجهاتها الحديدية والزجاجية، من دون أن يرد أحدها أي اتصال بشأن التعويضات

وفي جولة ميدانية لـ "العربي الجديد" في منطقتي الجميزة ومار مخايل النهر المحاذيتين لموقع الانفجار، واللتين تعرضتا لنسبة كبيرة من الدمار خصوصاً أن أبنيتهما قديمة وبعضها تراثي، يصيبك الذهول من هول الكارثة. الدمار شامل ومرعب من الجدران والأسقف المنهارة إلى القضبان الحديدية والواجهات الزجاجية المتناثرة. والحزن كبير، بعدما هُجّر العديد من سكان المنطقتين، في حين نام آخرون على ما بقي من فرشات في بيوتهم وتناوبوا على الحراسة الليلية خوفاً من السرقات.  

"في مبنى سكني واحد، سُجّلت تسع وفيات من عائلات عدة"، تقول ماغي لـ "العربي الجديد". تضيف: "الحمد لله أنّ خسائرنا اقتصرت على الماديات من دون وقوع جرحى وشهداء كما حدث مع جيراننا. لكن يصعب التعبير عن حالة الرعب والذعر التي شعرنا بها لحظة وقوع الانفجار. كنت برفقة ابنتي وابني في المنزل بينما زوجي في عمله. صرخ ولداي ثم بكت ابنتي، قبل أن نتفقد الأضرار الجسيمة التي حلّت في البيت بعد زوال الغبار وانقشاع الرؤية. لا أبواب ولا نوافذ ولا جدران ولا شيء سوى بقايا أثاث وحطام. سيارتي أيضاً تحطمت بالكامل".

تضيف: "هذا المنزل لوالديّ. كبرت وتزوّجت فيه. طوال عمري لم أشهد كارثة بهذا الحجم، علماً أنني عايشت الحرب الأهلية اللبنانية وأزمات وحروبا عدة مرت على لبنان والعاصمة بيروت". 

من جهته، يقول مهندس إحدى الشقق في منطقة مار مخايل: "بيروت احترقت، وعدنا مائة سنة ضوئية إلى الوراء. الشقة التي أنجزتها وفريق عملي وكنت في صدد تسليمها الأسبوع المقبل إلى صاحبها تدمّرت كليّاً، ولا من يسأل ويعوّض علينا الخسائر". يتابع: "المشهد مؤلم والمصاب جلل، ولا أعرف من أين لي أن أعيد إعمار هذه الشقة وتجديدها للمرة الثانية على التوالي". 

كارثة على الجميع

في منطقة الجمّيزة، يتحدث أحد المواطنين بحسرة عن منزله الذي دمّر بالكامل، والذي لا يمكن الصعود إليه خوفاً من انهيار ما بقي منه. يقول لـ "العربي الجديد": "تهجّرنا أنا وعائلتي من منزلنا إلى منزل أهلي، لكنني منذ أول ليلة لوقوع الانفجار أواظب على السهر أمام منزلي خوفاً من السرقات. كما نتعاون وأبناء الحي على حراسة ممتلكاتنا، وقد أحبطنا أكثر من محاولة سرقة". يتابع: "هذه حقاً كارثة على الجميع، وعلى مختلف الأصعدة".

بدوره، يشير فادي نصّار الذي يعمل لصالح أحد القاطنين في المنطقة، إلى أنّ "المبنى دمّر بالكامل، وجميع سكانه الذين كانوا في المكان لحظة وقوع الانفجار أصيبوا وما زالوا في المستشفيات وحالاتهم حرجة. كما توفيت امرأة بعمر الثمانين". يضيف لـ "العربي الجديد": "ما من شقة في هذا المبنى صالحة للسكن، كما لا يمكن الوصول إلى أي منها. لا أبواب ولا نوافذ ولا مداخل، وحتّى دورات المياه تطايرت أرضيتها من البلاط وغيره. كما أنّ ناطور المبنى أصيب من جراء تطاير بوابة المدخل الحديدية. أمّا السيارات فحدث ولا حرج".

وأمام منزله في شارع الجميزة، يحمل العم محبوب أبي نادر، الرجل الثمانيني، عصاه، ويتجوّل متفقداً أحوال أبناء حيّه ومنطقته، وهو الذي ارتطم بسقف منزله لحظة الانفجار وأصيب برضوض وآلام حادة. بهدوء شديد وجسد منهك، يمشي أبي نادر والحزن في عينيه، قبل أن يبكي لدى حديثه عن بيروت ولبنان. يقول لـ "العربي الجديد" إنها جريمة بحق أبناء الوطن، ربما تكون جريمة مدبرة، فالمشهد أكثر وجعاً وإيلاماً من مشاهد الحرب الأهلية اللبنانية. كما أنّها فاجعة غير منتظرة في بلد مثل لبنان يُفترض ألا يكون على علاقة بهذه المواد المتفجرة". 

ويأسف لـ "غياب المسؤولين الحقيقيين وغياب المحاسبة والمساءلة، إذ حتى هذه الساعة لا أحد يعرف حقيقة ما حدث"، متحدثاً عن أضرار كبيرة لحقت بمنزله، اضطرّته إلى التفتيش عن أكثر بقعة آمنة وسط منزله وما بقي من فرش ليقضي لياليه". 

أبي نادر كان يعمل مهندساً ميكانيكيّاً، وقد بنى معملاً لتصنيع المعدات والأدوات الزراعية قبل أن يتدمّر بالكامل من جراء الحرب الأهلية اللبنانية. يؤكّد أنّ "أكبر أعداء لبنان هم بعض اللبنانيين أنفسهم، غير أننا مرغمون على التأمل خيراً". 

المصاب واحد لدى أصحاب المحال والشركات في المنطقتين، وقد انهمكوا مع فرق المتطوعين الذين قدموا من مختلف المناطق اللبنانية في رفع الركام بالتعاون مع آليات الهيئة العليا للإغاثة وفرق الإسعاف والإنقاذ. 

وفي حديثه لـ "العربي الجديد"، يقول نبيل الهاروني، وهو صاحب معرض للسيارات: "الأضرار جسيمة ولم أصدق ما رأيته بعد الانفجار، خمس سيارات جديدة تضررت بالكامل إلى جانب 3 دراجات نارية، عدا عن الأضرار بالسيارات الأخرى وفي الكهرباء والمكيّفات وواجهات المحال الحديدية والزجاجية". يضيف: "معرضنا عمره 52 عاماً ولم يبق منه اليوم سوى بلاط الأرض. أما هذا الشارع فله في قلبي ذكريات كثيرة. هنا وُلدت وترعرت وعملت". 

الانفجار في مرفأ بيروت (حسين بيضون)

 

يجلس المصور الصحافي بندلي غرابي أمام استديو التصوير الخاص به، والذي افتتحه والده منذ عام 1950. يقول: "راح المحل كله، راح تعب السنوات . لم يبق لي من العدّة سوى كاميرا واحدة، غير أنني ألازم المكان لحراسة الحي ومساعدة الجيران، علماً أننا نشهد العديد من مبادرات مد يد العون للتنظيف ورفع الحطام، كما أن هناك من يوزعون الطعام والشراب في محاولة للصمود معاً في وجه الفاجعة". 

مهندسون متطوعون

وفي ما يتعلق بالعمل الميداني من قبل متخصصين للكشف عن الأضرار، يكشف نقيب المهندسين في بيروت جاد تابت لـ "العربي الجديد"، عن اجتماع لوضع خطة عمل وتوزيع المهام بين المهندسين الذين سيتطوّعون لمساعدة أهالي العاصمة الذين تضرّرت منازلهم. يضيف: "قمنا يوم الأربعاء بجولة ميدانية اعتمدنا فيها على خارطة بيروت، وقسّمنا العاصمة إلى خمس مناطق أساسية تُعتبر المناطق الأكثر تضرراً، هي الكرنتينا والرميل والجميزة ومار مخايل والحكمة (القريبة من مناطق الانفجار والتي تضررت كثيراً). وسنشكل لجنة مهندسين لكل منطقة وستبدأ جولاتها لتقييم الأضرار، ووزّع المهندسون على فرق عمل، ويشمل كل فريق مهندسين مدنيين ومعماريين ومهندسي كهرباء وميكانيك". 

ويوضح أنّ "المرحلة الثانية من عمل المهندسين ستشمل مناطق الأشرفية ووسط بيروت التجاري وزقاق البلاط وغيرها، على أن نتابع العمل على صعيد العاصمة ككل". يتابع تابت: "ننسق مع محافظ مدينة بيروت مروان عبود ورئيس بلديتها جمال عيتاني ومع الهيئة العليا للإغاثة، من أجل عمليات مسح الأضرار على اختلافها. وطلب مني المحافظ التركيز على المباني الأثرية، خصوصاً أن العديد منها قد دُمّر من جراء الانفجار"، لافتاً إلى أنّ "النقابة تنسق مع وزارة الثقافة في هذا الشأن". 

خط ساخن ودوريات

في السياق نفسه، يقول عيتاني لـ "العربي الجديد": "البلدية كلّفت مهندسين متخصصين للقيام بجولة تشمل مسحاً كاملاً للأبنية وتحديد تلك التي باتت منشآتها خطيرة، لمعرفة كيفية التعاطي معها، وتلك التي تضررت واجهاتها". يضيف: "يبدأ اليوم نحو 150 مهندساً بأعمال المسح، بالتعاون مع نقابة المهندسين وشركات الهندسة. كما وجّهنا آليات البلدية وفرق عمل ومقاولين عملوا على إزالة الركام من أجل فتح الطرقات وتأمين حركة السير. كما أننا نتولى فرز الألمنيوم والزجاج وجمعهما في بقعة محددة لتدويرهما". 

يضيف: "توجّه أكثر من 200 متطوع إلى العاصمة للمشاركة في عمليات الكنس والتنظيف وجمع الركام من الشارع ومساعدة الأهالي في رفع الأضرار داخل منازلهم، وإغلاق النوافذ والأبواب وغيرها بالبلاستيك مؤقتاً ليُصار لاحقاً إلى تركيب واجهات زجاجية وحديدية. وتصلنا كذلك مساعدات غذائية تُوزّع على أهالي العاصمة. كما أننا نواصل طلب الدعم من الدول والبلديات الصديقة من أجل إرسال المساعدات الغذائية والطبية لتوزيعها على المحتاجين من الأهالي".

الانفجار في مرفأ بيروت (حسين بيضون)

 

ويكشف عيتاني أنّ البلدية "خصّصت خطاً ساخناً لتلقي مناشدات كل مواطن تدمّر منزله، ونعمل على تأمين مسكن بديل مؤقت له، وهناك الكثير من المناطق ورؤساء البلديات الذين أبدوا استعدادهم لتقديم المساكن. وخصّصنا دوريات من حرس البلدية بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي لحماية المنازل والممتلكات من السرقات". يضيف: "تضرر نحو 300 ألف شخص في العاصمة، أي نحو 75 ألف عائلة متضررة. وقد طلبت الهيئة العليا للإغاثة من كل مواطن متضرر تصوير الأضرار وكتابة تقرير بذلك، وقد بدأت بعمليات المسح". وعن مدى إمكانية حصول المتضررين على تعويضات، يجيب عيتاني: "ليس علينا سوى التأمل خيراً، لكن بالطبع لا قدرة للبلدية على التعويض، فالأضرار جسيمة جداً".

اسألوا مجلس الوزراء

أما الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء، محمد خير، فيؤكد أنه "من المستحيل الحديث خلال 24 ساعة فقط عن أرقام دقيقة لحجم الأضرار والخسائر وعدد المتضررين من جراء هذه الكارثة التي لم يشهد لها لبنان مثيلاً على مدار 30 عاماً".

ويقول لـ "العربي الجديد": "ما زلنا حالياً في مرحلة فتح الطرقات وإزالة الركام. كما بدأ الجيش اللبناني بمسح الأضرار، وسنرى النتائج التي ستؤول إليها عمليات المسح الميداني". 

وعن التعويضات لأهالي المتضررين، يقول خير: "عليكم أن تسألوا مجلس الوزراء. لكنني متفائل في حال حصلنا على دعم خارجي"، مشيراً إلى أنّه يعتقد أنّ "ميزانية الدولة تتحمّل تعويض خسائر المنازل فقط، لكنها بالطبع لا تتحمل كلفة إعادة إعمار المرفأ". يتابع: "مهامنا تتطلّب مسح نحو 10 آلاف مبنى، علمأ أن كل مبنى عبارة عن 10 طوابق، ما يعني أنّ المسألة تتطلّب وقتاً لمعرفة الأضرار الحقيقية، غير أنّ الرقم الأولي ووفق تحليلي يشير إلى أنّ نحو 80 ألف بيت قد تضرّر في العاصمة ونحو 40 ألف محل، لكن حالياً المرحلة هي للعمل على الأرض والنتائج لا نعرفها بعد، وعدا ذلك كلام غير صحيح". 

استشارات قانونية

من جهته، يوضح المدير التنفيذي في المركز اللبناني لحقوق الإنسان فضل فقيه، أنّ "المركز أطلق مبادرة إنسانية تُعنى بتقديم المساعدة القانونية عبر خط ساخن، وذلك من أجل تقديم المعونة والاستشارة القانونية لأصحاب ومستأجري المنازل المتضررة بهدف حماية حقوقهم، والإبلاغ عن أي خروقات وانتهاكات لحقوق الأفراد أو الجماعات من جرّاء حالة الطوارئ المعتمدة في البلد. ونتوقع حدوث مشاكل قانونية فيما يخص المنازل المتضررة، لا سيما الذين تدمرت منازلهم بالكامل. وسنقدم استشارات قانونية حول من سيقوم بعملية الإصلاح والترميم وإعادة الإعمار والصيانة، فهل يقع ذلك على عاتق المستأجر أو صاحب الملك؟ وما هو وضع مالكي المنازل من دون سندات وغيرها من المواضيع القانونية؟". 

وعن أهمية المبادرة، يقول: "لا شك أنها ترفع جزءاً من العبء عن كاهل الأهالي المتضررين، إذ إن المركز يضم محامين ناشطين في مجال حقوق الإنسان". يضيف: "للأسف حجم الكارثة كبير وقد خلّف الانفجار مشاكل إضافية لا طاقة للناس على تحملها ومواجهتها. ونحن بدورنا نعمل مع منظمات أخرى ضمن منتدى المنظمات المحلية العاملة في الشق الإنساني أو التطويري".

ويكشف أنّ المركز أطلق "مبادرة ثانية تتعلق برصد انتهاكات حقوق الإنسان التي قد يتعرض لها البعض خلال هذه الفترة". وبرزت العديد من المبادرات الفردية الداعمة للأهالي الذين تضررت منازلهم، حيث أعرب عدد من المهندسين على وسائل التواصل الاجتماعي عن استعدادهم لتقديم خبراتهم، والمساعدة في تأمين مواد البناء لترميم البيوت المتضررة من دون أي مقابل أو بنصف السعر، واضعين أرقام هواتفهم بالتصرف.

ذات صلة

الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
الصورة
غارة جوية على قرية الخيام جنوب لبنان، 3 أكتوبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

يكثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي من سياسة تدمير المربعات السكنية ونسفها في جنوب لبنان على غرار الاستراتيجية التي يعتمدها في غزة منذ بدء حربه على القطاع
الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
المساهمون