مرّت ذكرى ثورة 25 يناير الأخيرة، من دون أن تلتفت إليها فعاليات رسمية أو مؤسسات تابعة للدولة كحدث مؤسس في ما تعيشه مصر اليوم، حيث ظلّ الاحتفاء بلحظة ميدان التحرير يخفت عاماً بعد عام منذ تولي السلطة الحالية زمام الأمور، وإن حدث فإن الانتباه إليها ينحصر ببعض الكلمات المفرغة الرنانة، والتذكير بأن الدولة مستمرة في مكافحة الإرهاب.
المفارقة أن هذه الدولة تحتفل بمرور قرن على ثورة 1919، بل إن وزارة الثقافة تقيم مؤتمراً دراسياً يتناول أوجه تلك الثورة من جوانب مختلفة وبمشاركات لا تقتصر على باحثين مصريين.
يلتفت "المجلس الأعلى للثقافة" إلى تلك الاحتجاجات التي وقعت صبيحة يوم الأحد، التاسع من آذار/ مارس 1919، في ظروف تشبه ما تعيشه مصر الآن ولا تختلف كثيراً عن الظروف التي وقعت فيها تلك الاحتجاجات؛ من فساد وتدهور اقتصادي، وغلبة للمصالح الأجنبية على مصالح الشعب، وقمع وإرهاب تمارسه الدولة على الناس، وانتشار الأحكام العرفية، الفرق الوحيد أن تلك الظروف كانت من صنيع الاحتلال البريطاني، وهي اليوم من صنيع نظام السيسي.
لكن لنتذكر أن ثورة 1919، لم تحصد ثمارها حتى عام 1923 حين أعلن الدستور والبرلمان تحت ضغط الشعب الثائر، فقد قمعت الثورة في بدايتها وتحوّلت إثر ذلك إلى سلسلة متواصلة من الثورات كلما هدأت اشتعلت من جديد. وربما يكون المعنى الأخير الذي حقّقته لحظة 1919 كان بالوعي الذي أدّى إلى إجلاء الإنكليز عام 1956.
من المفارقة أن تحتفي الثقافة المصرية بثورة 1919، وأن تتناسى ثورة 2011، وكأنما التاريخ القديم وقد أصبح تاريخاً بات يخصّ الدولة وحدها، أما الثورة التي ما زال جرحها مفتوحاُ فتخصّ الشعب الذي أرهبته الدولة في العامين الأخيريْن بالخوف والإعدامات والاعتقالات.
حول ثورة 1919 ينطلق مؤتمر "المجلس الأعلى للثقافة" في القاهرة في المسرح الصغير التابع لـ"دار الأوبرا المصرية"، عند الحادية عشرة من صباح بعد غدٍ السبت بمحاضرة بعنوان: "الطريق إلى ثورة 19" يلقيها الأكاديمي محمود أباظة.
تتضمّن فعاليات المؤتمر عشرين جلسة بحثية ومائدتين مستديرتين على مدار ثلاثة أيام في الفترة من 16 وحتى 18 من الشهر الجاري؛ بمشاركة تسعين باحثاً ومتخصّصاً من مصر وفرنسا ولبنان والأردن والجزائر العراق وتونس والمغرب.
أما محاور الجلسات فتتلخص في جذور ثورة 1919 ومكانتها بين الثورات ضد الاستعمارـ ووقائعها وأسئلتها وقراءات مختلفة فيها، وعلاقتها بتأسيس الوطنية المصرية وتغيير المجال السياسي والمجتمع المصري، والموقف الدولي منها، وتأثيرها على تطور الاقتصاد المصري، والبناء القانوني للدولة المصرية، والفضاءات الثقافية الإبداعية.