- تميزت مسيرته الشعرية بالانتقال من الشعر العمودي إلى شعر التفعيلة، وبرز كأحد شعراء جيل الستينيات في مصر، حيث نشر العديد من الدواوين والمسرحيات الشعرية، وساهم في الكتابة عن جيله وشعراء السبعينيات.
- إلى جانب الشعر، نشر أبو ستّة دراسات نقدية وأدبية، وقدم برامج ثقافية في "الإذاعة المصرية"، وحاز على جوائز أدبية مرموقة مثل "جائزة الدولة التقديرية".
في عددها التاسع، الصادر في أيلول/ سبتمبر 1960، نشرت مجلّة "الآداب" اللبنانية قصيدةً لـ الشاعر المصري محمّد إبراهيم أبو ستّة بعنوان "الموت"، أهداها لشقيقَيه فايزة وخليفة، اللذين رحلا خلال يومَين متعاقبَين؛ ومن بين ما كتب فيها مُخاطباً الموت: "ذراعاك سيفٌ ورمحٌ/ وفي مقلتيك عمى مقلتيّا/ وفيٌّ تزور البيوت/ فليتك ما كنتَ يوماً وفيّا/ صغيران كانا، صبيٌّ يكاد/ من الطُّهر يبدو نبيّا/ وأُخرى لو أنّي عبدتُ/ العيون عبدتُ بها أُفقاً كوكبيّا".
هذا الشعور بالفقد، سيظلُّ ملازماً قصيدة الشاعر المصري (1937 - 2024)، الذي غادر عالمنا اليوم الأحد في القاهرة، مع شعورٍ دائم بالحنين والاغتراب؛ وهو ما ربطه، في حوارٍ مع مجلّة "البيان" الكويتية (تشرين الأوّل/ أكتوبر 2005)، برحيل والدته ومغادرته صغيراً قريته "الوادي" في مركز الصفّ بمحافظة الجيزة إلى القاهرة حيث سيتخرّج عام 1964 بشهادة ليسانس من كلّية الدراسات العربية في "جامعة الأزهر".
يقول في الحوار: "فقدان المرأة جعلني مرتبطاً باستعادة هذه الصورة المفقودة لأمّي، لكن في نفس الوقت نشأ الاغتراب بقوّة لأنّي غادرت القرية في العاشرة من عمري، وهي سنّ مبكّرة لطفل يغادر أسرته ليذهب لمدينة موحشة (...) هذا الاغتراب المبكر شحن وجداني بكثير من الحنين إلى المهد الأوّل لميلادي وطفولتي وصباي وأحلامي المبكرة".
رأى أنّ النقّاد قدّموا فكرةً خاطئة عن تجربته الشعرية وصوّروه شاعراً رومانسياً
وبالفعل، سنجد هذه النبرة في قصائده التي نشرها في وقت متقدّم، مع ملاحظة تتعلّق بانتقاله من الشعر العمودي إلى شعر التفعيلة. نقرأ، على سبيل المثال، في ديوانه الشعري "شجر الكلام" (2000) قصيدةً له بعنوان "امرأة أم مدينة؟"، يقول فيها: "يقرفص تحت قناديل/ ذكرىً مضت/ أو مضت/ في دجاهْ/ يحاول أن يستعيد/ البقايا التي نثرتها الرياح/ قديماً على سفحه/ أو ذُراه/ تقول المرايا وداعاً/ لوَردٍ/ تولّى، ولم تكتحل عينُه بالمياه/ وداعاً، لمن لا تراه/ لقد غادروه جميعاً/ وما خلّفوا/ غير دمع ترقرق/ في وحشة الليل/ عبر الصحاري/ وهذه الأفاعي/ تلاحقه/ أينما حلّ/ تبغي رَداه/ ولا شيء إلّا صراخٌ/ بأعماق وادٍ سحيق وصوتٌ ينادي صداهْ".
لمحمّد إبراهيم أبو ستّة مكانة بارزة ضمن شعراء جيل الستّينيات في بلده؛ وهو الذي نشر أُولى قصائده في جريدة "المساء" المصرية عام 1959، ثمّ ديوانه الشعري الأوّل "قلبي وغزالة الثوب الأزرق" عام 1965، والذي تلاه أكثر من عشرة دواوين من بينها: "حديقة الشتاء" (1969)، و"الصراخ في الآبار القديمة" (1973)، و"أجراس المساء" (1975)، و"تأمّلات في المدن الحجرية" (1979)، و"البحر موعدنا" (1982)، و"مرايا النهار البعيد" (1987)، و"رماد الأسئلة الخضراء" (صدر عام 1990 ونال "جائزة كفافيس" في العام نفسه)، و"شجر الكلام" (2000)، و"موسيقى الأحلام" (2004)، تُضاف إليها مسرحيتان شعريتان: "حمزة العرب" (1971) و"حصار القلعة" (1979).
في أحد حواراته الأخيرة (صحيفة "الأهرام"، 2021)، قال أبو ستّة إنّ حركة النقد الأدبي التفتت بقوّة إلى تراث شعراء الستينيات، وأنّه هو نفسه أسهم في الكتابة عن هذا الجيل من خلال كتابه "آفاق شعرية"، كما كان من أوائل من التفتوا إلى شعراء السبعينيات وعرّف بهم من خلال مجلّة "الكاتب" التي كان يرأس تحريرها صلاح عبد الصبور. لكنّه أضاف أنّه كان أوّلَ من هاجمه شعراء هذا الجيل، بسبب ما اعتبره فكرةً خاطئة كوّنها النقّاد عن تجربته الشعرية، تُصوّره بأنّه "شاعر رومانسي".
وإضافةً إلى الشعر، نشر عدداً كبيراً من الدراسات في مجلّات مصرية وعربية تناولت تجارب شعراء من مصر والعالم العربي، كما أصدر عدداً من الكتب في مجال الدراسات النقدية والأدبية؛ من بينها: "فلسفة المثل الشعبي" (1968)، و"دراسات في الشعر العربي" (1979)، و"قصائد لا تموت: مختارات شعرية" (1981)، و"أصوات وأصداء" (1982)، و"تجارب نقدية وقضايا أدبية" (1986)، و"تأمّلات نقدية في الحديقة الشعرية" (1989).
عمل محمد إبراهيم أبو ستّة في "الإذاعة المصرية" التي قدّم فيها عدداً من البرامج الثقافية؛ مثل: "ألوان من الشعر" الذي كان يقرأ فيه مختارات من الشعر العربي، و"حديقة الأوراق" الذي خصّصه لدراسة وتحليل النصوص الأدبية، وحاز عدّة جوائز أدبية؛ من بينها "جائزة الدولة التقديرية" (2001)، و"جائزة أحمد شوقي" (2021)، و"جائزة النيل في الآداب" (2024).