لعبة الحياة تنتهي

19 يناير 2016
كم واحداً سينال وظيفة في اختصاصه؟ (فرانس برس)
+ الخط -

لعبته الوحيدة على الهاتف انتهت للتو. يمكنه أن يستكمل اللعب بها لكن من دون هدف محدد كما كان دائماً في الشهرين الماضيين. فقد تفاجأ إذ أنجز المهمة رقم 110 على صعوبتها بظهور عبارة "كلّ المهمات أنجزت" على الشاشة.

اللعبة تمثّل تحكّماً بسيارة تطلق النار على سيارات أخرى متجهة إليها بينما تسير على أربعة أنواع من الطرقات السريعة بحسب المرحلة. المخاطر القاتلة متنوعة ما بين الاصطدام بالسيارات أو العوارض المفاجئة أو الصواريخ التي تستهدف السيارة أو رصاص يطلقه نوعان من الآليات العسكرية. وفي كلّ مرحلة هنالك عقبة خاصة تتمثل في التغلب على "وحش" أي دبابة كبيرة أو طائرة. يجمع اللاعب ليرات ذهبية وجواهر يمكن أن يشتري بها خدمات إضافية، كالأسلحة والحماية وحتى تغيير السيارة بكاملها إلى نوع أفضل.

خاض كلّ ذلك. أنجز المهمات ووصل بالأسلحة والحمايات إلى أقصى ترقية، وبدّل العديد من السيارات، حتى بات لديه معرض كامل منها. لم يعد لديه شيء لفعله، إذا تابع اللعب. ما الهدف من التكرار الآن؟ وصل إلى مرحلة الملل.

من الافتراضي إلى الواقعي، يكبر الواحد منّا فلا يجد غالباً -بما أنّ معظم سكان الأرض فقراء- ما يبدأ به حياته. يدفعه أهله إلى مدارس تشكل مع عوامل أخرى شخصيته التي تسعى في لحظة ما إلى الاستقلالية في المال والفكر والممارسة الاجتماعية. في المراحل المدرسية الأخيرة يجد نفسه أمام خيارين أساسيين، إمّا الالتحاق بوظيفة دولة تؤمن له الراتب الدائم لكن تمنع عنه تلك الاستقلالية في الفكر والممارسة الاجتماعية. يصبح موظفاً يؤدي وظيفة مطلوبة منه من مسؤولين عنه. دائرة مغلقة، لكنّ معظم شبابنا وهم يتجاوزون الثامنة عشرة، يسعون إليها.

الاحتمال الآخر أن يكمل الدراسة جامعياً. تتشكل هنا الطبقة الأكثر تبطلاً. خريجون يحملون شهادات تنتظر أبواب الهجرة في ظلّ سوق عمل مصمم لعدم استقبالهم في اختصاصاتهم.
"ابدأ من الصفر" نصيحة يقولها غالباً من لم يبدؤوا أبداً من الصفر. أولئك الناجحون بفضل الدائرة التي وجدوا فيها من الأساس. تلك الدائرة المصممة من أجل استمرار طبقتهم لأجيال. لكنّ كلمتهم مسموعة فالإعلام والإعلان وحتى الكلام اليومي بين شخصين بسيطين مكرّس للاستماع إليهم والترويج لهم.

الحياة ليست لعبة قد يصل فيها اللاعب إلى الثروة ويشعر بالملل بعد حصوله على كلّ شيء ممكن. الحياة مرحلة بدائية من تلك اللعبة، إذا نجح فيها الشخص باصطياد بعض الليرات والجواهر فإنّ مخاطر أكبر بكثير تتربص به وتمنعه من اقتناص المزيد، إذا لم تؤدّ به إلى التهلكة فعلياً.

اقرأ أيضاً: المعركة الخاسرة
دلالات
المساهمون