استمع إلى الملخص
- **قصص نساء محرومات من الميراث**: حليمة الهزاع طُردت من منزل أهلها، حسنة الأيوب حصلت على "ترضية"، وفاطمة الخلوف أصرت على حقها مما أدى إلى قطيعة مع أخوتها.
- **دور القانون والمحاميات**: المحامية عبير حمادة تؤكد على أهمية توعية النساء بحقوقهن وتشجيعهن على المطالبة بها، مشيرة إلى أن 50% من الدعاوى تتعلق بحقوق النساء في الميراث.
حق النساء في الميراث مقرر في الشرع والقانون، لكن قد تحرم منه نساء إدلب بسبب عادات وتقاليد تتحجج باحتمال ﺍﺳﺘﻴﻼﺀ الأزواج ﻭالأﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ المال، كما تخاف كثيرات من فقدان الترابط الأسري، وتجهل بعضهن ﺤﻘﻮﻗﻬن.
تحرم أسر كثيرة في إدلب شمال غربي سورية نساءها من حق الميراث، فتختار بعضهن سلوك ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻢ ومواجهة احتمال التعرض لقطيعة الأسر التي يمكن أن تفضّل "الاستغناء عنهن" بدلاً من منحهن حق التملك، أما أخريات فيقررن التنازل ﻋﻦ حقوقهن، ﺭﻏﻢ أنهن يشعرن ﺑﻈﻠﻢ، من أجل الحفاظ على الحماية الاجتماعية.
طُردت حليمة الهزاع (39 سنة) التي تسكن في بلدة حزانو شمالي إدلب من منزل أهلها، وأصبحت منبوذة من قبل أفراد عائلتها، بعدما طالبتهم بحقها في الميراث. وتقول لـ"العربي الجديد": "تقاسم أخوتي الذكور الثلاثة الميراث بعد وفاة والدي، وتركوني مع شقيقتي من دون أي نصيب. وحين طالبتهم بحقي من أجل الإنفاق على أولادي وتحسين الأحوال المعيشية السيئة لأسرتي رفضوا ذلك وطردوني وهددوني وأساؤوا معاملتي، وطلبوا مني التنازل عن حصتي كما فعلت أختي، لأنهم يعتبرون أنفسهم الأحق في الحصول على أموال العائلة، بحجة أنهم يريدون الحفاظ على ﺍلأﺭﺽ، ولا يرغبون في بيعها والتنازل عنها لغرباء ﻓﻲ ﺣﺎل ﺗﻮﺭﻳﺚ ﺍﻟﺒﻨﺎﺕ".
تضيف: "أختي ميسورة الحال، ويمكن أن تتخلى عن حقها، أما أنا فأحتار في كيفية تأمين حتى ثمن الطعام لأولادي الأربعة الذين يعيشون حياة قاسية بعدما تعرّض زوجي لإصابة خلال الحرب منعته من العمل".
وتخبر أنها تعرضت لحادث سير قبل فترة، لكن أشقاءها لم يكلفوا أنفسهم بالاطمئنان على صحتها لمجرد أنها طالبت سابقاً بحصتها من ميراث أبيها. وتوضح أن أمها كانت إحدى ضحايا عدم أخذ الميراث بعدما حصلت من أشقائها على ترضية فقط، وتقول: "بالنسبة لي لن أسامح أي شخص ساهم في حرماني من حقي الذي شرّعه الله".
وقد تفضل نساء التزام الصمت والتنازل عن حقوقهن بسبب خوفهن من مواجهة الخلافات الأسرية وغضب الأهل وقطع صلة حصلت حسنة الأيوب (28 سنة) من مدينة إدلب، على حصة "ترضية" من أخوتها الذكور بدلاً من إعطائها حقها كاملاً من تركة أبيها. وتقول لـ"العربي الجديد": "المبلغ الذي حصلت عليه من إخوتي الذكور يساوي ربع حقي الشرعي، لذا فكرت بالمطالبة بحقي في المحاكم الشرعية ثم تراجعت للحفاظ على روابط الأخوة وتجنّب العزلة الاجتماعية والعداوة مع الأهل وحدوث خلافات أسرية. أسوأ ما في الحياة هي عداوة الأشقاء والأقارب، ووصول الأمر بينهم إلى ساحات المحاكم بسبب مال زائل وإرث لن يبقى".
في المقابل، أصرّت فاطمة الخلوف (42 سنة) من مدينة معرة مصرين على أن تأخذ ميراثها كاملاً من دون انصياع للعادات والتقاليد التي تصفها بأنها "خاطئة"، فأقامت دعوى ضد استيلاء أخوتها على ميراثها بعد وفاة الأب، وأنفقت الكثير من المال في المحاكم للحصول على حقها. تقول: "تسببت المطالبة بحقي في عداوة وقطيعة بيني وبين أخوتي الذين غضبوا من إصراري على أخذ حقي. معركة استرجاع الحقوق صعبة، وأن صوت الأعراف والتقاليد أقوى في مجتمعنا، ما يجعل هذه الظاهرة الظالمة مستمرة في قرى ومدن إدلب".
وتؤكد المحامية عبير حمادة من مدينة أطمة شمالي إدلب، لـ"العربي الجديد": "يلجأ المورثون إلى حيل كثيرة لحرمان البنات من الميراث، من بينها التنازل عن الأملاك لأولادهم الذكور عبر بيعها صورياً لهم غالباً، لكن حقوق النساء في ﺍﻟﻤﻴﺮﺍﺙ ﻣﻘﺮﺭﺓ في الشرع والقانون، ﻭﻻ يجوز أن يحتال اﻠﺬﻛﻮﺭ عليها، ويحق لهن ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺼﺘﻬن ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ عليها والتصرف بها من ﺩﻭﻥ قيود، ويجب أن تعي ﺍﻟنساء ﺃﻥ ﺣﺼﺘﻬن في ﺍﻟﻤﻴﺮﺍﺙ ليس فيها منّة ﻣﻦ ﺍﻷشقاء، ﻭﺍﻟﻬﺪﻑ من حصولهن على حصة هو ﺗﻤﻜﻴﻨﻬن ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎً من أجل تعزيز قدرتهن ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ ﻗﻄﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ".
وتوضح حمادة أن "بعض النساء لا يعرفن حقهن في الميراث، وغالبيتهن لا يتجرأن على مطالبة ذويهن بهذا الحق خوفاً من خسارة الأهل الذين تعتبرهم السند والعزوة، وهكذا تضيع الحقوق ضحية الجهل والأعراف. مواجهة الظاهرة تحتاج إلى حملة توعية متكاملة بحقوق النساء في الميراث، ووقف التمييز ضدهن".
وحذرت المحامية السورية من حرمان النساء من الميراث، وطالبتهن بعدم الخوف والتحرك للمطالبة بحقوقهن، وعدم قبول قسمة التراضي التي لا تمنحهن حقوقهن طبقاً للشريعة الإسلامية، والاتجاه إلى القضاء عند استنفاد السبل الأخرى، وعدم الرضوخ للضغوط العائلية والتهديد والإكراه للتنازل عن حقوقهن.
وتشير حمادة إلى أن "50% من الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم الشرعية هي لنساء يطالبن بحقوقهن في الميراث. ولا تزال الأعراف تنتصر على القوانين وتجرّد النساء من حقوقهن الشرعية في الميراث، ما يشكل نوعاً آخر من أنواع العنف ضدهن من خلال التعرّض لظلم الأقرباء بصمت، أو اللجوء إلى المحاكم لخوض معركة حقيقية في سبيل استعادة حقوقهن المسلوبة".