أمس الأول السبت، في الطابق الأرضي من مبنى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في بئر حسن في العاصمة اللبنانية بيروت، كان بلال سلمان، ربّ العائلة الأربعيني، ينتظر دوره في تسليم أغلفة الأدوية بهدف تقاضي تعويضها الجزئي بعد ذلك بأشهر. فترة الانتظار نصف ساعة في برد المكان، بينما يتلطى الجميع تحت السقف بعيداً عن الأمطار، تُعَدّ مناسبة معتادة للمنتسبين للشكوى من الضمان وانتظاراته وتعويضاته التي لا تكون غالباً على قدر التوقعات. لكنّ شكوى سلمان، الذي يعمل في صيانة أجهزة التكييف في شركة مياه معدنية، في هذا اليوم بالذات، أنّه لن يتقاضى راتبه قبل الخامس من الشهر الجديد. هكذا لن يتمكن من جلب أغراض الاحتفال بليلة رأس السنة إلى المنزل، أو دعوة أحد من الأهل والأصدقاء. ربما يكتفي مع زوجته وأولاده بالعشاء الاعتيادي، لكنه سيحاول أن يتدبر شراء قالب حلوى.
المؤسسات العامة، مدنية وعسكرية، دفعت رواتب موظفيها، قبل أسبوع من نهاية العام. وهكذا يجد الشاب العسكري حسين فرصة جيدة للاحتفال الليلة مع زوجته سحر، خصوصاً أنهما لا يتمكنان عادة من ذلك بسبب ظروف خدمته. هو يرغب في إمضاء الليلة بأكملها خارج المنزل، وقد حضّر برنامجاً احتفالياً مميزاً منذ السادسة مساءً، آملاً أن يكون الطقس مناسباً للنشاطات الخارجية. هما سيزوران شجرة الميلاد العملاقة في بيروت (تنظم في قاعة مغلقة موقتة هناك عروض موسيقية راقصة وترفيهية)، ويمضيان بعض الوقت في أسواق وسط البلد، ومن بعدها سيلعبان البولينغ والبلياردو في محلة الحمراء، ثم إلى المطعم الذي حجز فيه بالقرب من منارة بيروت، والذي يشهد حفلاً غنائياً وراقصاً حتى منتصف الليل. يشير إلى أنه لم يتكلف أكثر من مئتَي دولار أميركي على حجز المطعم، وهو من الصف الثاني، والفنانون الذين سيحيون الحفل فيه "لم أسمع بهم في حياتي، لكن لا مشكلة المهم أن ننبسط (نفرح)" كما يقول. يؤكد حسين أنه لن يتناول كثيراً من الكحول التزاماً بتوجيهات الإسعاف والأمن للسائقين، لكنّ سحر تشكّ في ذلك وتؤكد أنها هي التي ستقود في طريق العودة.
سحر كانت ترغب في زيارة أهلها ثم الاحتفال مع أهل زوجها في هذه الليلة، لكنها تتذكر أنّ حفلة العام الماضي في منزل أهل حسين كانت نهايتها مزعجة، إذ إنّ أحد أبناء أشقائه الكثر حرق ستارة الشرفة بمفرقعات منتصف الليل، ولولا تدارك الأمر لاحترق المنزل ربما. لا تعارض برنامج زوجها، وإن كانت قد اشترطت عليه منذ اليوم أن يكون برنامج احتفال رأس سنة 2020 من تخطيطها وحدها.
في سياق متصل، كان الصليب الأحمر اللبناني قد أعلن وضع فرق الإسعاف والطوارئ في حالة من الجاهزية والاستنفار العام، في كل مراكزه المنتشرة على كامل الأراضي اللبنانية، وعددها 46 مركزاً ثابتاً وثلاثة مراكز مؤقتة بمواكبة أربع غرف عمليات اتصال وتنسيق، مدعمة بـ 170 سيارة إسعاف ونحو 700 مسعف مواكبة للاحتفالات بمناسبة ليلة رأس السنة. وطالب الصليب الأحمر المواطنين بضرورة التقيّد بإرشادات السلامة العامّة.
كذلك، أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أنّ "قطعاتها العملانية ستتشدّد في منع إطلاق النار العشوائي، واتخاذ التدابير بحق مطلقي النار بالتنسيق مع القضاء المختص. كما ستتشدد في تطبيق أحكام قانون السير وقمع المخالفات بكلّ جدية ولا سيما: القيادة تحت تأثير الكحول، والسرعة الزائدة، وعدم وضع حزام الأمان، واستعمال الخلوي (المحمول) أثناء القيادة، والقيادة بعكس السير، والوقوف الممنوع والمزدوج". وأصدرت المديرية بياناً آخر، أعلنت فيه منع وقوف السيارات في بعض شوارع بيروت، وتخصيص شوارع أخرى للمشاة فقط، تسهيلاً للمواطنين المحتفلين.
مغتربون لبنانيون كثيرون عادوا إلى البلاد للاحتفال بالأعياد، ليغادروا مجدداً بعد رأس السنة بأيام قليلة. بعض هؤلاء جاؤوا منذ بداية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، خصوصاً من حلّت إجازات الأعياد المدرسية في بلدان اغترابهم مبكراً شأن من يعيشون في ألمانيا. عبد الله الذي يعيش مع عائلته الصغيرة في بريمن، جلس على كرسيّ حلاق أحد الأحياء الشعبية في بيروت، أمس الأول، فسأله الحلاق عدنان: "أين ستمضي ليلة رأس السنة؟"، مشيراً إلى أنه سيأخذ قرصَي منوّم وينام عند التاسعة. للمغترب، العائد للمرة الأولى بعد ثماني سنوات، ويبدو مشتاقاً للانفلات من الانضباط الأوروبي، رأي آخر: "لا يهمني شيء غير إطلاق الرصاص (برشاش الكلاشينكوف إلى السماء احتفالاً بالعام الجديد عند منتصف الليل). قلت لأشقائي من شهرَين أن يجهّزوا لي 10 مخازن".