قضية خاشقجي: موعد الكشف عن تفاصيل الجريمة وشيك

إسطنبول

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
10 أكتوبر 2018
F934C551-65CB-4181-8505-76E4B43B293C
+ الخط -
أصبح الكشف عن مصير الصحافي والكاتب السعودي جمال خاشقجي شبه محصور بين الجزم بوفاة الرجل، من جهة، أو خطفه إلى السعودية من جهة ثانية، وسط سباق بين تسريب المعلومات الأمنية الصحافية، والخطوات الإجرائية التي لا تزال محصورة في إطار تفتيش السلطات التركية لمبنى الدبلوماسية السعودية في إسطنبول، حيث دخل الرجل يوم الثلاثاء، وفق ما كشفته كاميرات المراقبة التركية، ولم يخرج، أو على الأقل لم يعرف أنه خرج حياً حتى اليوم، بعد 9 أيام على إخفاء أثره. لكن وتيرة المواقف الدولية الضاغطة تتسارع، مع دخول الرئيس دونالد ترامب ووزرائه الرئيسيين على خط يتراوح بين مجرد إبداء القلق على مصير خاشقجي، وهو ملخص ردة فعل ترامب، وبين من يريد تحقيقاً عميقاً حقيقياً من السعوديين، على ما قاله مثلا وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو وعدد كبير من المسؤولين الأميركيين الآخرين، الذين انضم إليهم أركان الأمم المتحدة ومتحدثون باسم أبرز الدول الغربية حتى الآن، وسط استمرار الصمت السعودي الذي ينمّ ربما عن شعور بفائض القوة نتيجة غياب المحاسبة الدولية عن تصرفات سعودية دموية بالجملة مرت مرور الكرام، خصوصاً منذ تسلم محمد بن سلمان منصب ولي العهد. وازداد الاهتمام التركي السياسي المحلي بقضية خاشقجي، على اعتبار أن القضية امتحان دقيق للسيادة التركية وللدولة ولأجهزتها ولصورة الأمان المفترض توفره لا للأتراك فحسب، بل أيضاً لكل مقيم أجنبي على الأراضي التركي، تحديداً عندما يكون صحافياً "مغضوبا" عليه من سلطات بلده في حال كان ينتمي إلى نادي الدول التي تحترف تصفية المعارضين والكتاب النقديين. وفي ظل إجماع أحزاب المعارضة والموالاة في تركيا على ضرورة التصرف السريع على شكل تصعيد دبلوماسي ضد السعودية على خلفية عملية الخطف أو الاغتيال، ظل التصرف التركي الرسمي بطيئاً، مع اتكال شبه حكومي على "سياسة التسريبات" الإعلامية لمعلومات أمنية عبر قنوات وصحف محسوبة على الحكومة مباشرة، وكأن تركيا بالفعل ترغب بتمرير المعطيات الأمنية حول الحادثة، من دون أن تتبنى تصعيداً ضد السعودية قبل صدور نتيجة التحقيقات القضائية التي باشرها المدعي العام للجمهورية منذ يوم السبت الماضي. وفي هذا السياق، عينت تركيا مدعياً عاماً ونائبا له مهمتهما متابعة قضية خاشقجي تحديداً.

وقد تكون التسريبات التي نشرتها صحيفة "صباح" التركية أمس، وهي المقربة جداً من الحكومة، الأكثر خطورة حتى الآن، إذ رجحت مقتله بعد تبديل خطة اختطافه من قبل السلطات السعودية، عقب ملاحقة قوى الأمن التركية للموضوع، مع استمرار احتمال اختطافه ولو بنسبة أقل. والأكثر حساسية في ما نشرته "صباح"، وزادت عليه صحيفة "حرييت" الأوسع انتشاراً، أن القنصل السعودي محمد العتيبي أمر الموظفين الأتراك في القنصلية، يوم الثلاثاء الماضي، أي يوم اختفاء خاشقجي، بالخروج في إجازة قسرية من عملهم، وأن الطائرتين اللتين وصلتا يوم اختفاء خاشقجي إلى تركيا، محملتين بـ15 رجل أمن سعودي، تم تفتيش إحداهما فقط عند مغادرتهما، أي تلك التي عادت إلى دبي ثم الرياض، ولم يتم العثور على أي أثر لخاشقجي فيها أو لبقايا جثته مثلاً. أما الطائرة الأخرى التي غادرت إسطنبول إلى القاهرة ثم الرياض، فلم يتم التدقيق في محتوياتها، وهو ما يمكن أن يشير إلى احتمال أن يكون تم إخراج خاشقجي أو جثته عبر هذه الطائرة وهي تعود لشركة "سكاي برايم" التي تتخذ من الرياض مقرا لها. ولفتت "صباح" إلى أنه بعد اختفاء خاشقجي في القنصلية بساعتين ونصف الساعة، خرجت ٦ سيارات من القنصلية، كان فيها ١٥ مسؤلاً سعودياً، من بينهم أعضاء في المخابرات (أتوا في الطائرتين إياهما)، وكانت هناك سيارة مرسيديس (فان) مظللة النوافذ، ذهبت إلى مقر إقامة العتيبي التي تبعد ٢٠٠ متر من مقر القنصلية، وبقيت السيارة هناك ٤ ساعات، وتعتقد الشرطة أن خاشقجي أو جثته تم نقلها بهذه السيارة، فيما تدقق الجهات المعنية في احتمال آخر بأن خاشقجي ربما اختطف من قبل الاستخبارات السعودية وبمساعدة من عملاء مخابرات أجهزة أخرى، ولذا فإن الطرقات التي سلكتها المركبات يتم التحقق منها، فضلاً عن الأنظمة التي تسجل لوحات السيارات.

وعلى صعيد الإجراءات الرسمية، وجهت السعودية دعوة للخبراء والمسؤولين المعنيين الأتراك لزيارة قنصليتها في إسطنبول وتفتيشها. وأعلنت وزارة الخارجية التركية أمس، أنه "سيتم تفتيش" القنصلية السعودية بإسطنبول ضمن التحقيقات الجارية بخصوص اختفاء خاشقجي. وقال المتحدث باسم الوزارة، حامي أقصوي، إن "السلطات السعودية أعربت عن استعدادها للتعاون، وموافقتها على تفتيش مبنى القنصلية". وجاء في نص الدعوة السعودية: "السعودية، إذ تعرب عن احترامها للجمهورية التركية الشقيقة، تدعو الخبراء والمسؤولين المعنيين الأتراك إلى زيارة قنصليتها العامة في إسطنبول، وذلك حرصا من المملكة على استجلاء حقيقة مسألة اختفاء المواطن السعودي جمال أحمد خاشقجي بن حمزة، وانطلاقا من مبدأ التعاون مع حكومة الجمهورية التركية".


وكانت التعليقات التركية الحزبية قد زادت الضغوط على الحكومة لناحية ضرورة تسريع الإجراءات لكشف الحقيقة، فأشار زعيم حزب الشعب الجمهوري، كبير أحزاب المعارضة، كمال كلتشدار أوغلو إلى ضرورة "إعادة النظر بالعلاقات مع السعودية فوراً وترحيل الدبلوماسيين الذين يتمتعون بالحصانة والمتورطين بالجريمة وإعلانهم أشخاصاً غير مرغوب فيهم"، معتبراً أن "عجز الحكومة عن حماية أي صحافي أجنبي يمسّ بمكانة الجمهورية التركية". بدوره، رأى رئيس حزب الحركة القومية التركي المتحالف مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، دولت بهجة، أن "تركيا ليست مسرحا لتصفية حسابات دموية وعمليات خفية".
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس مجلس النواب بول ريان قد انضما لصفوف المسؤولين الأميركيين الذين أعربوا عن قلقهم بشأن خاشقجي. وردا على أسئلة طرحها صحافيون حول اختفاء خاشقجي، قال ترامب "أنا قلق بشأن هذا الأمر". وكان ريان قد وصف في وقت سابق اختفاء خاشقجي "بالأمر المزعج للغاية"، وقال إن الولايات المتحدة بحاجة إلى "حقائق واضحة" حول الوضع، وتعهد بأنه سيقاتل من أجل "الحصول على إجابات من كلتا الحكومتين"، السعودية والتركية، حول ما حدث.

كذلك دعا وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو السعودية إلى إجراء تحقيق "معمق" و"شفاف" حول اختفاء خاشقجي. وقال بومبيو في بيان "ندعو حكومة السعودية لدعم تحقيق معمق حول اختفاء خاشقجي ولأن تكون شفافة بشأن نتائج هذا التحقيق". وأضاف "لقد رأينا تقارير متضاربة حول سلامة ومكان وجود الصحافي السعودي البارز والمساهم بصحيفة واشنطن بوست، وكبار مسؤولي وزارة الخارجية تحدثوا مع السعودية عبر القنوات الدبلوماسية حول هذا الشأن". كذلك حال نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الذي أعرب عن شعوره بـ"اضطراب عميق" بشأن القضية. وكتب بنس في تغريدة: "إذا كان ذلك صحيحاً، فهذا يوم مأساوي. العنف ضد الصحافيين في جميع أنحاء العالم هو تهديد لحرية الصحافة وحقوق الإنسان. العالم الحرّ يستحق الحصول على إجابات" من دون أن يذكر السعودية بالاسم. من جهته حذّر السناتور الأميركي ليندسي غراهام، المعروف بقربه من ترامب، السعودية من أنه "إذا تأكّد اغتيال الصحافي السعودي، فإنّ العواقب ستكون مدمّرة" على العلاقات بين الرياض وواشنطن. واعتبر أنّ على السعودية تقديم "إجابات صادقة".
وعن الموضوع، علق السفير السعودي لدى واشنطن، خالد بن سلمان، الذي أفادت معلومات بأنه طمأن خاشقجي إلى إمكانية زيارة الأخير القنصلية السعودية في إسطنبول، وقال لصحيفة "واشنطن بوست" أمس إن كاميرات قنصلية بلاده لدى إسطنبول "لم تكن تسجل" يوم زيارة خاشقجي لها، رافضاً الرد على بقية الأسئلة.

وفي لندن، دعا وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت السفير السعودي محمد بن نواف لتوضيح ما حدث لخاشقجي. وقال هانت على تويتر أمس الثلاثاء "التقيت بالسفير السعودي سعياً لإجابات عن جمال خاشقجي، وإذا ثبتت صحة التقارير الإعلامية فسنتعامل مع الواقعة بجدية لأن الصداقة (مع السعودية) تعتمد على القيم المشتركة". بدورها، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني من البرتغال، أمس الثلاثاء، إن الاتحاد الأوروبي يدعم بالكامل دعوة السعودية إلى التحقيق في اختفاء خاشقجي و"نتوقع إجراء تحقيق كامل وشفافية تامة من السلطات السعودية بشأن ما حدث".

وفي جنيف، أبدى مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أمس قلقه العميق إزاء ما يبدو أنه "اختفاء قسري" لخاشقجي. وقالت رافينا شامداساني المتحدثة باسم مجلس حقوق الإنسان، في إفادة صحافية: هذا مبعث قلق كبير، ما يبدو من اختفاء السيد خاشقجي قسريا من القنصلية السعودية في إسطنبول". وأضافت "إذا تأكدت أنباء وفاته والملابسات الغريبة التي أدت إليها، فسيكون ذلك صادما بحق". وقد نشرت صحيفة واشنطن بوست صورة من كاميرا مراقبة تظهر الكاتب السعودي المفقود وهو يتجه إلى مقر القنصلية السعودية في إسطنبول يوم الثلاثاء في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الحالي. وأرفق التاريخ بالصورة. وقالت الصحيفة إن "شخصا مطلعا على التحقيقات أرسل لها الصورة"، من دون الخوض في تفاصيل. وبدت البوابة الظاهرة في الصورة أنها المدخل الرئيسي للقنصلية، الكائنة في 4 حي ليفنت بإسطنبول. وكانت "واشنطن بوست" قد نقلت عن مسؤول أميركي قوله إن نظراءه الأتراك أبلغوه أن خاشقجي قُتل، وتم على الأرجح تقطيع جثته ووضع أجزائها في صناديق قبل نقلها بطائرة إلى خارج تركيا. من جهتها، أوردت صحيفة غارديان البريطانية أن المحققين الأتراك يعتقدون بأن شاحنة سوداء ربما حملت جثة خاشقجي من القنصلية، حيث أظهرت كاميرات أمنية وجود صناديق في الشاحنة التي تحمل لوحة دبلوماسية. ونسبت الصحيفة لمحققين أتراك القول إن تلك الشاحنة واحدة من ست سيارات كانت تقل فريق الاغتيال السعودي المفترض.

كذلك بثت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، عبر موقعها الإلكتروني، تسجيلاً صوتياً لخاشقجي، قالت إنه جرى تسجيله قبل 3 أيام من اختفائه، وأكد فيه خاشقجي أنه لا ينوي العودة إلى السعودية خاصة بعد توقيف أحد أصدقائه، لمجرد أنه تحدث عن وجهة نظره بشكل نقدي رغم أنه ليس معارضاً. ونوهت "بي بي سي" إلى أنها لا تبث في العادة محادثة خارج التسجيل على الهواء، لكنها اضطرت إلى ذلك بشكل استثنائي، في ضوء الظروف الحالية. وقبل بدء الحوار الذي كان حول "عملية السلام في الشرق الأوسط"، سأل المحاور خاشقجي عما إذا كان يعتقد أنه سيعود إلى السعودية، ورد خاشقجي: "أسافر كثيرا، وأعيش حاليا بين إسطنبول والعاصمة وواشنطن... ولا أفكر" (في العودة إلى السعودية). وأضاف: "أنا هنا بعد توقيف صديقي، الذي لم يفعل شيئا سيئا كي يُلقى القبض عليه، فقط عبّر عن وجهة نظره، أو تكلم بشكل نقدي... فكيف أعود إلى السعودية؟".

ذات صلة

الصورة

سياسة

أعلنت وزارة الدفاع التركية، ليل أمس الأربعاء، قتل العديد من مسلحي حزب العمال الكردستاني وتدمير 32 موقعاً لهم شمالي العراق.
الصورة
احتجاج ضد مقتل الطفلة نارين غوران في تركيا، 9 سبتمر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

لم تلق جريمة قتل بتركيا، ما لقيه مقتل واختفاء جثة الطفلة، نارين غوران (8 سنوات) بعدما أثارت قضيتها تعاطفاً كبيراً في تركيا واهتماماً شخصياً من الرئيس التركي
الصورة
عبد الله النبهان يعرض بطاقته كلاجئ سوري شرعي (العربي الجديد)

مجتمع

تنفذ السلطات التركية حملة واسعة في ولاية غازي عنتاب (جنوب)، وتوقف نقاط تفتيش ودوريات كل من تشتبه في أنه سوري حتى لو امتلك أوراقاً نظامية تمهيداً لترحيله.
الصورة
الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني، يونيو 2024 (عدنان الإمام)

مجتمع

يُناشد الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني السلطات التركية لإعادته إلى عائلته في إسطنبول، إذ لا معيل لهم سواه، بعد أن تقطّعت به السبل بعد ترحيله إلى إدلب..