في أوروبا والدول المتقدمة

07 نوفمبر 2017
لا تنتهي انتظارات اللبنانيين (العربي الجديد)
+ الخط -
يتأفف الشاب العشريني وهو يستند إلى الحائط وأمامه طابور طويل من المراجعين، وحوله آخرون ممن يحتلون المقاعد القليلة والجدران في القاعة الصغيرة عند الدور الثاني في أحد مراكز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في بيروت.

وصل إلى نهاية الطابور عند واجهة زجاجية مفتوحة قليلاً من الأسفل، وبعدما دققت الموظفة في أوراقه أخبرته أنّ هناك نقصاً فيها لا بدّ من معالجته قبل المجيء إليها ثانية. لم يكن النقص فادحاً بل مجرد صورتين لبطاقة الهوية يمكن أن يحصل عليهما من الطابق الأرضي.

عاد مستكملاً أوراقه وهو يشعر أكثر من ذي قبل بثقل الملف الممتلئ في يده. وقف مجدداً في الطابور وعندما وصل حصل التدقيق وكانت النتيجة أن الأوراق مكتملة ولا نقص فيها هذه المرة. انتهت الموظفة من تدقيقها وقالت له: "يمكنك أن ترتاح حتى نناديك"، أي ببساطة: "ابتعد كي يمرّ الآخرون".

نادت الموظفة اسماً خلف اسم خلف اسم، لكنّ الشاب الذي وجداً مقعداً يجلس عليه لم يعد يميّز صوتها والأسماء التي تنادي بها وسط ضجيج القاعة، فذهب إلى الحائط القريب منها ينتظر نطقها اسمه المتردد في رأسه طوال الوقت في آلية دفاعية تمنعه من نسيانه ربما.

هناك تأفف مجدداً وهو يشكو: "أتحتاج المعاملة إلى كلّ هذا الوقت؟". أجابه أحدهم: "لم ترَ شيئاً بعد، فهناك مكاتب أخرى لا بدّ من زيارتها لاستكمال المعاملة، وعند كلّ مكتب ستنتظر مثل هذا الوقت". خفف عنه أحدهم باللجوء إلى المقارنة ما بين الماضي والحاضر "زمان كنا ننتظر أكثر من ساعة هنا، احمد ربّك أنّ انتظارك لن يطول أكثر من ثلث ساعة".

تدخّل أحدهم بمقارنة أشدّ ما بين دوائر لبنان ودوائر الخارج، على طريقة "في أوروبا والدول المتقدمة". قال الرجل: "لا يحتاج المواطن لإنجاز مثل هذه المعاملات بل يذهب إلى أيّ مستشفى ببطاقة هويته فحسب التي تمرّر على الكومبيوتر وانتهى الأمر".

يعود المقارِن ما بين الماضي والحاضر ليستعيد ما أسعفته به ذاكرته نصاً جاهزاً: "الإصلاح لا يأتي فجأة بهدم الأسس التي كانت قائمة، بل يجب التدرج في طرح المفاهيم الجديدة بما يتناسب مع الواقع".

يسمع الشاب تلك الكلمات الأخيرة ويسأل: "المهم، كم سأنتظر بعد؟". فيأتيه صوت الموظفة تنادي اسمه لتقول له: "مرتجع بسبب تجاوز إفادة العمل المهلة القانونية... لا بدّ من جلب إفادة عمل حديثة كي تستكمل معاملتك، وبما أنّ اليوم جمعة ولن تتمكن من اللحاق بالمركز قبل انتهاء الدوام، انتظر حتى الإثنين المقبل".

يحمل الشاب ملفه ويخرج بصمت، وهو يفكر ملياً ببطاقة الهوية العجيبة، تلك التي "في أوروبا والدول المتقدمة".
المساهمون