13 نوفمبر 2024
فرنسا بدون اشتراكية
حمل الدور الأول من الانتخابات التشريعية الفرنسية مفاجآت كثيرة، أكبرها التراجع الكبير للحزب الاشتراكي الفرنسي الذي ظل يتداول الحكم على فرنسا مع حزب الجمهوريين منذ سبعة عقود ونيف. خسارة هذا الحزب الذي لم يحصل سوى على 10% من أصوات الناخبين الفرنسيين، وفشل كبار وجوهه التي ظلت حاضرةً تؤثث المشهد السياسي الفرنسي في تجديد عضويتها داخل البرلمان، كلها مؤشراتٌ تنذر بأفول الاشتراكية في فرنسا، وبداية صفحة جديدة في الحياة السياسية الفرنسية بلا انقساماتٍ كبيرة، وبلا نقاشاتٍ حادة بين اليمين واليسار.
نكسة الحزب الاشتراكي الفرنسي في الانتخابات أخيراً هي بمثابة إعلان قرب نهاية هذا الحزب الذي تأسس عام 1971، وأعطى لفرنسا واحداً من أعظم رؤسائها المعاصرين هو فرانسوا ميتران الذي حكم فرنسا مثل قيصر أحمر منذ 1981 مدة 14 سنة متتالية. وقبل الخمس سنوات الماضية، عاد الاشتراكيون ليحكموا فرنسا من جديد بواسطة الرئيس فرنسوا هولاند الذي كان يصفه الفرنسيون بالرئيس "العادي"، بسبب حضوره الباهت الذي تتحمل اليوم ولايته المنتهية مسؤولية كبيرة في ما لحق بحزبه من هزائم متتالية، منذ نكسته في الانتخابات الرئاسية أخيراً وانتهاء بالصفعة الجديدة التي تلقاها في الدور الأول من الانتخابات التشريعية، وما هو آتٍ سيكون أفظع.
فرنسا مقبلة على تحولات كبيرة، فالبرلمان المقبل الذي بات واضحاً أن حركة "الجمهورية إلى الأمام" التي أسسها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قبل سنة هي التي ستهيمن على أغلب مقاعده، بعد تقهقر الحزب الاشتراكي وتراجع الحزب الجمهوري، سيجعل فرنسا، ولأول مرة في تاريخها المعاصر، أمام برلمانٍ بلا أحزاب كبيرة، أو بالأحرى أمام برلمانيين بلا امتدادات شعبية وبلا سند حزبي. برلمان نخبوي مشكل من نخبةٍ يمثلها أعضاء الحركة الجديدة التي أسسها الرئيس الفرنسي التكنوقراطي. برلمان أقرب ما يكون إلى المؤسسات المختارة المكونة من نخبٍ بلا امتداداتٍ شعبية في بلدٍ ظل يعيش طوال العقود السبعة الماضية على توازن بين اليمين واليسار.
كانت هزيمة الحزب الاشتراكي الفرنسي متوقعةً، استشعرها الرئيس الفرنسي الاشتراكي
السابق، هولاند، عندما فضل عدم طلب التجديد لولايته، واختار الخروج طواعيةً من الباب الخلفي لقصر الإليزيه. والنكسة الحالية ما هي سوى إعلان لبداية نهاية مؤجلة، تجسّدت أهم مظاهرها في تدني شعبية الرئيس الاشتراكي السابق، والانقسام الكبير والحاد داخل صفوف الاشتراكيين الفرنسيين، وكانت الضربة القاضية قانون العمل الجديد المسمى "قانون الخمري"، نسبةً إلى وزيرة العمل الاشتراكية في الحكومة السابقة، مريم الخمري، والذي أثار غضب نقابات العمال واستياء المجتمع المدني الفرنسي عموماً.
ابتعد الحزب الذي تأسس على مرجعية اشتراكية ديمقراطية قائمة على أولويات القضايا الاجتماعية، وعلى الحوار السلمي الاجتماعي، كثيراً في السنوات القليلة الماضية عن مرجعيته، حتى بات بلا هوية وبلا إيديولوجية، وكان تبنّيه سياسة نيوليبرالية في عهد الرئيس هولاند بمثابة دقّ آخر مسمار في نعشه الذي سيكون مبنى "البانثيون" (مقبرة العظماء في فرنسا) أكرم إلى ماضيه من قصري الإليزيه (قصر الرئاسة) أو ماتينيون (قصر رئاسة الحكومة) أو قصر البرلمان.
انهيار الحزب الاشتراكي، وربما نهايته، لا تعني بالضرورة نهاية اليسار الفرنسي الذي مازال حاضراً في المشهد السياسي الفرنسي، لكنه يعيش مشتّتاً بين أحزابٍ يساريةٍ صغيرة وما تبقى من الحزب الشيوعي، بقيادة حركة "فرنسا الأبية" التي يقودها اليساري، جان لوك ميلانشون، وهو نفسه كان عضواً سابقاً في الحزب الاشتراكي الفرنسي ووزيراً عهد فرانسوا ميتران، قبل أن ينفصل عن الاشتراكيين، ويؤسس حركته التي حاولت أن تجمع شتات اليسار المتمرّد على بيروقراطية الحزب الاشتراكي وديكتاتورية الحزب الشيوعي.
يصعب اليوم تصور مستقبل فرنسا، بلاد فكر الأنوار، بلا حزب اشتراكي قوي، وهو ما سيضرّ صورتها بلداً للتعددية بامتياز، بلد الصراع والتنظير الدائمين لليمين ولليسار، بلداً اجتماعياً
بامتياز، ينهض على سياسات اجتماعية، سنَّها اشتراكيون ويساريون في العقود السابقة، ولم تنجح كل الحكومات الليبرالية والأحزاب اليمينية من زعزعة توابثها. بلد النقابات العمالية الكبيرة والحركات الاجتماعية المتجدّدة. بلد الفكر اليساري والتنظير الاشتراكي. بلد يحمل في شعار جمهوريته كلمتي المساواة والأخوة، وهما قيمتان اشتراكيتان لا يستقيم أي قطر اشتراكي بدون وجودهما.
ما يحدث اليوم في فرنسا انهيار كامل لنظامها السياسي التقليدي الذي قامت عليه مؤسسات دولتها، وبنيات مجتمعها طوال العقود السبعة الماضية، فالبلاد مقبلةٌ على تحولات كبيرة ومخاض عميق بدأت تتبلور بعض ملامحه من خلال ميلاد حركات كبيرة داخل المجتمع هي التي سترسم مستقبل النظام الفرنسي الجديد.
نكسة الحزب الاشتراكي الفرنسي في الانتخابات أخيراً هي بمثابة إعلان قرب نهاية هذا الحزب الذي تأسس عام 1971، وأعطى لفرنسا واحداً من أعظم رؤسائها المعاصرين هو فرانسوا ميتران الذي حكم فرنسا مثل قيصر أحمر منذ 1981 مدة 14 سنة متتالية. وقبل الخمس سنوات الماضية، عاد الاشتراكيون ليحكموا فرنسا من جديد بواسطة الرئيس فرنسوا هولاند الذي كان يصفه الفرنسيون بالرئيس "العادي"، بسبب حضوره الباهت الذي تتحمل اليوم ولايته المنتهية مسؤولية كبيرة في ما لحق بحزبه من هزائم متتالية، منذ نكسته في الانتخابات الرئاسية أخيراً وانتهاء بالصفعة الجديدة التي تلقاها في الدور الأول من الانتخابات التشريعية، وما هو آتٍ سيكون أفظع.
فرنسا مقبلة على تحولات كبيرة، فالبرلمان المقبل الذي بات واضحاً أن حركة "الجمهورية إلى الأمام" التي أسسها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قبل سنة هي التي ستهيمن على أغلب مقاعده، بعد تقهقر الحزب الاشتراكي وتراجع الحزب الجمهوري، سيجعل فرنسا، ولأول مرة في تاريخها المعاصر، أمام برلمانٍ بلا أحزاب كبيرة، أو بالأحرى أمام برلمانيين بلا امتدادات شعبية وبلا سند حزبي. برلمان نخبوي مشكل من نخبةٍ يمثلها أعضاء الحركة الجديدة التي أسسها الرئيس الفرنسي التكنوقراطي. برلمان أقرب ما يكون إلى المؤسسات المختارة المكونة من نخبٍ بلا امتداداتٍ شعبية في بلدٍ ظل يعيش طوال العقود السبعة الماضية على توازن بين اليمين واليسار.
كانت هزيمة الحزب الاشتراكي الفرنسي متوقعةً، استشعرها الرئيس الفرنسي الاشتراكي
ابتعد الحزب الذي تأسس على مرجعية اشتراكية ديمقراطية قائمة على أولويات القضايا الاجتماعية، وعلى الحوار السلمي الاجتماعي، كثيراً في السنوات القليلة الماضية عن مرجعيته، حتى بات بلا هوية وبلا إيديولوجية، وكان تبنّيه سياسة نيوليبرالية في عهد الرئيس هولاند بمثابة دقّ آخر مسمار في نعشه الذي سيكون مبنى "البانثيون" (مقبرة العظماء في فرنسا) أكرم إلى ماضيه من قصري الإليزيه (قصر الرئاسة) أو ماتينيون (قصر رئاسة الحكومة) أو قصر البرلمان.
انهيار الحزب الاشتراكي، وربما نهايته، لا تعني بالضرورة نهاية اليسار الفرنسي الذي مازال حاضراً في المشهد السياسي الفرنسي، لكنه يعيش مشتّتاً بين أحزابٍ يساريةٍ صغيرة وما تبقى من الحزب الشيوعي، بقيادة حركة "فرنسا الأبية" التي يقودها اليساري، جان لوك ميلانشون، وهو نفسه كان عضواً سابقاً في الحزب الاشتراكي الفرنسي ووزيراً عهد فرانسوا ميتران، قبل أن ينفصل عن الاشتراكيين، ويؤسس حركته التي حاولت أن تجمع شتات اليسار المتمرّد على بيروقراطية الحزب الاشتراكي وديكتاتورية الحزب الشيوعي.
يصعب اليوم تصور مستقبل فرنسا، بلاد فكر الأنوار، بلا حزب اشتراكي قوي، وهو ما سيضرّ صورتها بلداً للتعددية بامتياز، بلد الصراع والتنظير الدائمين لليمين ولليسار، بلداً اجتماعياً
ما يحدث اليوم في فرنسا انهيار كامل لنظامها السياسي التقليدي الذي قامت عليه مؤسسات دولتها، وبنيات مجتمعها طوال العقود السبعة الماضية، فالبلاد مقبلةٌ على تحولات كبيرة ومخاض عميق بدأت تتبلور بعض ملامحه من خلال ميلاد حركات كبيرة داخل المجتمع هي التي سترسم مستقبل النظام الفرنسي الجديد.