انتخابات أميركية خطيرة بلا رهانات كبيرة

06 نوفمبر 2024

أميركيون يدلون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية في شيكاغو (3/11/2024 الأناضول)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

عندما يصدر هذا المقال اليوم الأربعاء تكون نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية قد اتضحت، لكنها لن تنتهي بإعلان الفائز أو الفائزة، واعتراف الخاسر بهزيمته كما هو مفترض، أو كما جرت العادة في ما سبق من استحقاقات، بما أن اليوم التالي للتصويت، يوم 6 نوفمبر/ تشرين الثاني، سيكون يوم الحكم الحقيقي على ما ستقوله صناديق الاقتراع، ويغلق صناديق هذه الاستحقاقات أو يفتح الباب أمام مرحلة صعبة جديدة. ويتطلع العالم إلى هذا اليوم وهو يحبس أنفاسه في انتظار أن يمرّ بسلام حتى لا تتكرر الفوضى التي وقعت في يوم مثيل عام 2020، عندما اقتحم أنصار الرئيس ترامب آنذاك مبنى الكابيتول (الكونغرس) في واشنطن احتجاجاً على نتائج الانتخابات التي أعلنت هزيمة رئيسهم. الخوف من هذا اليوم هو ما يجعل كثيرين ينظرون إلى هذه الانتخابات الأكثر أهمية في تاريخنا المعاصر، لأنها ستحكم مستقبل العالم سنوات عديدة مقبلة، وثمّة من يعتبرها أسوأ انتخابات تشهدها أميركا، لأن الخيار فيها سيكون بين السيئ والأسوأ. لكن المؤكد أنها الانتخابات الأكثر خطورة، وغير مسبوقة في التاريخ الأميركي، بالنظر إلى حدّة الاستقطاب والانقسامات التي أحدثتها داخل المجتمع الأميركي، ما يهدّد مستقبل الولايات المتحدة والعالم بفوضى عارمة.

ومهما كانت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات، والمتوقع أنها ستكون مرتفعة، وربما الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة، قد تفوق المسجّلة عام 2020 التي بلغت أعلى مستوى للمشاركة في هذا البلد، لكن هذا التنافس الحاد ليس علامة على صحّة الديمقراطية الأميركية، وإنما هو نتيجة الاستقطاب الحادّ الذي بلغ أشدّه داخل المجتمع الأميركي، وقد يؤدّي به إلى صراع داخلي أو حرب أهلية كما تنبأ بها فيلم "حرب أهلية" للمخرج البريطاني أليكس غارلاند، المتصدّر مبيعات شباك التذاكر في أميركا، يحاكي فرضية قيام حرب أهلية مروّعة في الولايات المتحدة حين يستأثر رئيس دكتاتوري بالرئاسة ليستمر في الحكم لولاية ثالثة، ويأمر بمواجهة المحتجّين ضد حكمه بالعنف والنار، ما يؤدي إلى تشكل جبهات مقاومة تعلن انفصال ولايتي تكساس وكاليفورنيا لمواجهة الحكم الاستبدادي في واشنطن!

مجرّد وجود مرشّح عنصري يؤمن بنظرية التفوق العنصري ومُدان جنائياً، يشبهه أنصاره بـ "المسيح المخلص"، يَحتفِل بالعنف، ويَعِد باعتقال معارضيه، يفاخر بأنه مستبدّ، ويقول إنه مستعدٌّ لأن يكون ديكتاتوراً ولو ليوم واحد، سبق له، قبل أربع سنوات، أن أنكر هزيمته البيّنة في انتخابات 2020، وقاد محاولة انقلاب فاشلة لفرض فوزه بالقوة، دليلٌ كافٍ على أن الديمقراطية الأميركية ليست بخير، كما أن وجود مرشّحة بديلة ضعيفة ومتذبذبة، جرى استقدامها في لحظة حرجة لخلافة رئيسها المصاب بداء الخرف يدفع إلى طرح أكثر من سؤال بشأن درجة التردّي التي بلغها النظام السياسي الأميركي الذي كان يعدّ نموذج التطوّر الديمقراطي في العالم الحر.

إذا جرى انتخاب دونالد ترامب، فذلك يعني أن أكبر قوة في العالم ستقع في أيدي رجل مستعد لفعل كل شيء من أجل تدمير كل شيء

لقد أظهر موسم الحملة الانتخابية أن لا علاقة للأجواء السائدة في الولايات المتحدة بالتصاعد المعتاد في التوتر خلال انتخاباتٍ بهذه الأهمية، ويمكن تصنيفه الأسوأ في تاريخ الحملات الانتخابية في أميركا، لم نشهد فيه نقاشاً حقيقياً جدّياً في البرامج، وإنما حفلات من السباب والشتائم من كلا المعسكرين بغرض تشويه سمعة خصومهم باتهامات قبيحة وقاموس من الشتائم والبذاءات التدميرية بلغت التهديد بالقتل على لسان أحد المرشّحين، ونشرت أجواء الكراهية والحقد والانتقام داخل المجتمع الأميركي المنقسم على نفسه. والبرنامج الوحيد الذي طفا على سطح هذه النقاشات التافهة هو الخوف.

نعم، كان الخوف البرنامج المشترك الذي اعتمده كلا المعسكريْن لحشد أنصاره وتأليب الرأي العام ضد خصمه، فكلا المرشّحين، ترامب وهاريس، اتجها إلى وصف خصمه بأنه تهديد للديمقراطية، واستخدما تكتيكات الخوف من المستقبل برنامجاً ووسيلةً للإقناع، أو بالأحرى للترهيب من الأسوأ المقبل. الديمقراطيون، وعلى لسان هاريس، حذّروا أنصارهم من أن ترامب فاشي وغير متّزن وطاغية ودكتاتور محتمل يمكنه قلب الديمقراطية الأميركية رأساً على عقب. أما ترامب الساعي إلى إشباع دوافعه الانتقامية، فقد وصف هاريس بأنها متطرّفة يسارية، من شأنها أن تحول الولايات المتحدة إلى "مكة" الماركسية لبعث الخوف والهلع في أنصاره من اليمينيين والمحافظين والمتدينين. وكلاهما حاول تقديم التنافس كما لو كان صراعاً بين رؤيتين مختلفتين، رؤية تشد أميركا إلى الخلف لتعود بها إلى ماضٍ سحيق، وأخرى تحاول المضي بها نحو مستقبل مجهول، لكن الماضي والمستقبل ليسا منظورين يبني عليهما المرشحان رؤيتيْهما، بقدر ما هما اتجاهان معاكسان، يرمزان إلى الخير والشر، لرفع نسبة التوتر داخل مجتمع منقسم حول نفسه وزيادة منسوب قلقه بشأن مستقبل ديمقراطيته، بل وجوده.

يجب عدم انتظار الكثير من المرشحيْن، ربما قد تشعر أنظمة عربية، خاصة المطبّعة مع إسرائيل، وتلك الساعية إلى التطبيع، بالارتياح لفوز ترامب

كيف ما كانت النتائج التي ستسفر عنها صناديق الاقتراع اليوم، فإن رهانها يتجاوز بكثير مصير شخصين أو فريقين أو طرفين، لأن مستقبل الديمقراطية هو الذي يوجد على المحكّ بالفعل، ومعه مستقبل العالم. إذا جرى انتخاب دونالد ترامب، فذلك يعني أن أكبر قوة في العالم ستقع في أيدي رجل مستعد لفعل كل شيء من أجل تدمير كل شيء. كما أن فوز هاريس سيعني أربع سنوات أخرى من التردّد والضعف وربما التخبط، ليس فقط داخل أميركا، وإنما في العالم أيضاً، ما يعني مزيداً من الحروب والفوضى.

على المستوى العربي، يجب عدم انتظار الكثير من المرشحيْن، ربما قد تشعر أنظمة عربية، خاصة المطبّعة مع إسرائيل، وتلك الساعية إلى التطبيع، بالارتياح لفوز ترامب، حتى لو كان ذلك مكلفاً مادياً لها، لأن رجل الأعمال الجشع سيزيد من ابتزازها، كما فعل في ولايته السابقة لتحصيل ما يعتبره "جزية" أو "مقابلاً" مادّياً لحمايتها. على المستوى الشعبي، لن يحمل أي من المرشحيْن الجديد للشارع العربي، خاصة في ما يتعلق بحرب الإبادة التي تقودها إسرائيل بدعم ومشاركة أميركية غربية على الشعبين الفلسطيني واللبناني، بما أن الحرب سوف تستمر، وربما قد تتوسّع لتشمل بلداناً وشعوباً عربية أخرى، ولن توقفها الوعود التي أطلقها المرشّحان طوال الحملة الانتخابية. من سيحسم في الحرب ليست نتائج الانتخابات الأميركية وإنما الميدان. ومع الأسف، هو اليوم لصالح الاحتلال، لكن المستقبل سيبقى بيد إرادة الشعوب طال الزمن أو قصر، وهذا هو الرهان الحقيقي الذي يجب التركيز عليه أكثر من انتخاباتٍ لا ناقة ولا جمل لنا فيها.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).