طرح جديد لمواجهة مشروع الضم
يصح في اللحظة الراهنة توصيف المشهد الفلسطيني بأنه مشهد يقع فيه الفلسطينيون بين فكي صفقة القرن ومشاريع الضم، وبين الانسداد السياسي عقب فشل المشروع القائم على المفاوضات وانهيار أوسلو، وحصار مشروع المقاومة والمصاعب التي يوجهها في قطاع غزة، وسط محيط رسمي عربي معاد للمقاومة بكافة أشكالها، وراغب في التطبيع، فيما لا تميز إسرائيل في عدوانها على الفلسطينيين بين فلسطيني مقاوم وآخر مفاوض، وتواصل التهويد والضم والقضم بتشجيع من إدارة أميركية متصهينة.
يُعد إعلان إسرائيل نيتها ضم 30% من أراضي الضفة الغربية المحتلة الواقعة في ما يعرف بالمنطقة "ج"- إذا ما تم تنفيذ هذا المخطط بالفعل- بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على مسار التفاوض المحتضر أصلا، أو إن صح التعبير الميت سريريا، وفي المقابل فإن مسار المقاومة بات محاصرا في غزة، في ظل عجزه عن التحرك الفاعل في الضفة الغربية بعد تعرضه لعمليات تجريم وتجريف عميقة منذ اتفاق أوسلو، وقناعة لدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس تشكلت مبكرا بعبثية هذا الخيار وعدم جدواه.
وللإنصاف ينبغي عدم وضع المشروعين في سلة واحدة، فصحيح أن هناك "سلطتين" واحدة في الضفة والأخرى في غزة، انتهيتا للنتيجة ذاتها "حصار وتهميش"، إلا أنه ينبغي كذلك عدم إغفال أن هناك فرقا جوهريا بينهما، "فالسلطة" في رام الله تحللت من كل أوراق القوة، ونزعت سلاحها، وجرفت مقاومة الضفة، جنبا إلى جنب مع عدم بلورة مشروع مقاومة شعبي بديل عن المقاومة المسلحة، لتنتهي"مجردة تماما من أي أدوات فعل أو خيارات للمناورة"، بمقابل "السلطة" في غزة التي تمتلك رغم الحصار والحروب المتتالية عليها قوة وسلاحا مقاوما طورته خلال سنوات الحصار الطويلة، جعل إسرائيل تحسب حسابات كثيرة قبل العدوان عليها، وما زال يعطيها هامشا للمناورة.
تغيير وظيفة السلطة ممكن، وإنهاء الانقسام سهل، وإرغام المحتل على دفع أثمان باهظة متاح، لكن كلمة السر في كل ذلك هو الإرادة، والوحدة، والقيادة الرشيدة، والعزم
بعيدا عن التشخيص وقدر الاختلاف بين محلل وآخر لطبيعة اللحظة، فإن الجميع يتفق على أن الاحتلال ومشروعه الصهيوني يواصل مدعوما بإدارة أميركية متصهينة تهويد ما تبقى من الوطن، وضم الضفة، وشرعنة قوانين لطرد فلسطيني الخط الأخضر، وتغيير الرواية الأصلية للصراع من شعب محتل يريد التحرر واستعادة أرضه والعودة إليها، إلى قضية البحث عن معازل بشرية، وافتتاح مطاعم وبناء عقارات، وهي بنود ما يعرف بصفقة القرن التي تنحاز فيها الولايات المتحدة بشكل فاضح للرواية الإسرائيلية.
وفي سياق البحث عن إجابات عن سؤال اللحظة، وما ينبغي على الفلسطينيين عمله، يطرح السيد خالد مشعل، الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس، برنامجا وطنيا جديدا قدم فيه مجموعة من المرتكزات عرضها خلال لقاء له مع منتدى التفكير العربي بلندن أخيرا. وطرح مشعل مجموعة من المقترحات والتصورات التي قال إنها مرتكزات لمشروع تحرر وطني فلسطيني جامع تتلخص في ما يلي:
أولا: إعادة تعريف الثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية بما يضمن إجماع الكل الفلسطيني عليها والحيلولة دون التنازل عن أي منها.
ثانيا: إعادة بناء المؤسسات السياسية، ومرجعية القرار الوطني ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، على أسس ديمقراطية حقيقية، بحيث تمثل جميع أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وتشارك فيها مختلف القوى والفصائل والشخصيات الوطنية.
ثالثا: تبني برنامج نضالي ينطلق من كون الشعب الفلسطيني ما زال واقعاً تحت الاحتلال، بحيث يشمل هذا البرنامج كل أشكال المقاومة والنضال وعلى رأسها النضال المسلح، بما فيها المقاومة الشعبية بصورها المختلفة.
حديث مشعل جاء في نقاش أدرته مع الرجل في ندوة ضمن سلسلة ندوات يعقدها منتدى التفكير العربي بلندن، المثير كذلك في الطرح الذي قدمه الرجل هو رأيه في التعامل مع معضلة السلطة في غزة والضفة، وكيف يمكن أن يتحلل الفلسطينيون من تلك السلطة التي يرى البعض أنها باتت أحد أدوات تقييد الفعل الفلسطيني، كما يمكن تحميلها مسؤولية استمرار الانقسام. وبالعودة لرأي مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس، فإنه ينتهي حول موضوع السلطة إلى خيارين:
1- حل السلطة بتوافق وطني ورؤية بديلة.
2- أو تغيير وظيفتها.
حل السلطة أو تغيير وظيفتها يحتاج، بحسب مشعل، إلى دراسة شاملة وتوافق وطني، وبرأيي فإن خيار تغيير وظيفة السلطة الفلسطينية هو الخيار الأكثر عقلانية والأجدى وطنيا، وهو بالفعل يستحق الدراسة والتمحيص، فالاندفاع خلف الأصوات التي تطالب بحل السلطة، بقدر ما فيها من صدق بقدر ما يكتنفها من مغامرة غير محسوبة، قد تنتهي بالحالة الفلسطينية لحالة من الفوضى تزيد من حالة التيه الفلسطيني، وتوفر مزيدا من الأوراق لصالح إسرائيل، فكيف يمكن تصور أن يصحو الفلسطيني في صباح اليوم التالي ولا يجد صحة ولا تعليم ولا عمل ولا نظام.
بيت القصيد في خيار تغيير وظيفة السلطة يكمن في إنهاء حالة الاحتلال المجاني الذي تستفيد منه إسرائيل، وأن تتحمل إسرائيل مسؤوليتها كدولة محتلة، وهذا يتحقق بالتوقف عن توفير الأمن المجاني لها، وصياغة مشروع مقاومة شعبية ينهك الاحتلال، ويغير وظيفة السلطة من كيان يوفر الأمن لإسرائيل إلى مظلة جامعة وأداة مقاومة ضمن مشروع وطني فلسطيني، تقوده قيادة موحدة، توجه الاشتباك مع الاحتلال واستنزافه، وإرغامه على تقديم التنازلات للشعب الفلسطيني. وفي هذه الحالة فإن الشعب الفلسطيني يقاوم كشعب تحت الاحتلال، يواجه نظام فصل عنصري، ويطمح للحرية والعدالة، كما طمح للتحرر من الاحتلال، وهو ما تكفله له كل الشرائع الدولية، وفي سبيل ذلك من حقه ابتداع كل أساليب المواجهة.
تغيير وظيفة السلطة ممكن، وإنهاء الانقسام سهل، وإرغام المحتل على دفع أثمان باهظة متاح، لكن كلمة السر في كل ذلك هو الإرادة، والوحدة، والقيادة الرشيدة، والعزم.