البريطانيون العرب والانتخابات المقبلة

01 يوليو 2024
+ الخط -

يترقّب البريطانيّون يوم الرّابع من يوليو المقبل، وهو موعد الانتخابَات العامّة، التي سيشكّل الحزب الفائز فيها الحكومة المقبلة، وهي انتخابات ذات صبغة ونكهة مختلفة هذا العام، وتاريخيّة بكلّ المعاني، لجهة أنّها الأُولى عقب مغادرة بريطانيا الاتّحاد الأوروبيّ، وتجري وسط تراجع وفقدان البريطانيّين ثقتهم بالأحزاب التقليديّة، سواء المحافظين أو العمّال، وهي فاصلة للبريطانيّين العرب كذلك لجهة أنّها تأتي مع دخول حرب الإبادة على قطاع غزّة شهرها التاسع، وسط مواقف مخزية ومنحازة بالكامل من قبل حزب المحافظين الحاكم والعمّال المعارض، بل بات الأخير أكثر انحيازًا لإسرائيل وتصهينًا جرّاء مواقف زعيمه كير ستارمر المنحازة لإسرائيل، وأبرزها موافقته بداية الحرب على قطع إسرائيل الغذاء والدّواء والكهرباء والماء والحليب عن غزة وأطفالها، والمفارقة أنّ زعيم حزب العمّال هو "محامٍ" مختصّ في حقوق الإنسان!

هذه الانتخابات مختلفة جرّاء ما أحدثته الحرب على غزّة من زلزال سياسيّ عابر للدّول والقارّات، في بريطانيا شكّل انحياز لندن لتل أبيب وتطابق الموالاة والمعارضة في المواقف الداعمة لحربها على الشّعب الفلسطينيّ صدمة كبيرة في أوساط البريطانيين العرب، رغم المسيرات الكبرى الحاشدة التي جابت المملكة المتّحدة شمالًا وجنوبًا تنديدًا بالعدوان على غزّة مطالبة بوقف إطلاق النّار، الأمر الذي أماط اللثام عن وجود فجوة كبيرة بين التّعاطف الشّعبيّ البريطانيّ الواسع مع القضيّة الفلسطينيّة، ومواقف معظم السّياسيّين الانتهازيّة التي تغلّب المصالح على المبادئ، باستثناء عدد قليل من النّوّاب المتعاطفين مع قضيّة العدالة التي تمثّلها القضيّة الفلسطينيّة. وفي هذا السّياق عقد مساء أمس الثلاثاء حوار مفتوح مع المرشّحين العرب للانتخابَات المقبلة عكس ذلك حجم التغير لدى الجالية العربيّة، الحوار الذي نظمته "منصة عرب لندن" كشف تأثير غزة على مقاربات الجالية العربية في بريطانيا، حيث قرّر عدد من العرب الانتقال من كراسي الجمهور إلى ساحة الملاعب، فلأول مرّة في تاريخ بريطانيا لدينا أكثر من 30 مرشحًا من أُصول عربيّة وفلسطينيّة أعلنوا ترشّحهم من أجل غزة ولرفع صوتها وصوت الجالية العربيّة في بريطانيا في حراك كبير يعكس تحوّلًا كبيرًا في الوعي والإدراك لدى الجالية العربيّة في بريطانيا لأهمية المشاركة السياسيّة تصويتًا وترشيحًا، والانخراط في العمل السّياسيّ كمواطنين بريطانيين عبر الترشح للانتخابات وهنا لا بد من الإشارة لجملة معطيات:

في بريطانيا شكّل انحياز لندن لتل أبيب وتطابق الموالاة والمعارضة في المواقف الداعمة لحربها على الشّعب الفلسطينيّ صدمة كبيرة في أوساط البريطانيين العرب

1- يلمس حراك واسع في السّاحة السّياسيّة البريطانيّة من قبل العرب لجهة تنظيم نشاطهم عبر مؤتمر الجالية العربيّة الذي انطلق في يونيو الماضي، ووُلد جرّاء مبادرة عدد من المثقفين والنخب والنّاشطين والإعلاميّين العرب الذين تنادَوا لتأسيس مظلّة عربيّة جامعة، وراسل هذا الجسم رئيس الوزراء خلال حرب الإبادة، ورد سوناك على مؤتمر الجالية ما يمثّل اعترافًا به واهتمامًا كبيرًا بهذه النّواة التي تشكّلت بتبنّ من "منصة عرب لندن" التي تشكل المنصة العربيّة الأكبر للجالية واحتضان فعالياتها.

2- هذه انتخابات تأتي مع استمرار حرب الإبادة على قطاع غزّة ولأول مرة تتحوّل قضيّة سياسة خارجيّة لشأن انتخابيّ محلّي، حيث بات الموقف من هذه الحرب وتصويت المرشّح لوقف إطلاق النار من عدمه محددًا ومعيارًا أساسيًّا لإعادة انتخابه، خاصة بطبيعة الحال لدى الجالية العربيّة والمسلمة التي يشير الكتاب الصادر عن مؤتمر الجالية العربيّة لوجود قرابة 4 ملايين مسلم في بريطانيا على الأقل، وقرابة نصف مليون عربيّ، والأرقام ربما أعلى بكثير وفق التباينات التي أظهرتها الإحصاءات التي عرضها الكتاب.

3- عشرات البريطانيين العرب يخوضون هذه الانتخابات ما يعكس عزمًا عربيًّا على المشاركة السّياسيّة الفاعلة والمؤثّرة، ورغبة في تغيير قواعد اللّعبة، وترجمة التّضامن الواسع مع القضيّة الفلسطينيّة سياسيًّا، ومن هؤلاء ثلاثة من أعضاء مؤتمر الجالية العربيّة وهم: البروفيسور كامل حواش الرئيس السابق لحملة التضامن مع فلسطين، السيّدة منى آدم التي استقالت من حزب العمّال احتجاجًا على موقفه من حرب غزّة وتنزل للانتخابات عن حزب الخُضر، والسيّد حلمي الحراحشة الذي ينزل مستقلاً بالانتخابات، وهو رئيس مجلس أمناء المنتدى الأردني في بريطانيا، وكذلك يلحظ ترشّح مرشحين من أصول فلسطينية بكثافة يرفعون شعار "من أجل غزة" مثل السيّد سامح حبيب وهو ناشط سياسيّ فلسطيني معروف، وعضو سابق بحزب العمّال، ويترشّح عن حزب "وركرز بارتي"، وكذلك ندى جرش وهي شابة فلسطينية تترشح كذلك تحت الشّعار ذاته.

4- تَأتي هذه الانتخابات وسط حراك واسع في أوساط الجالية العربيّة تقوده منصات عربيّة مثل مؤتمر الجالية العربيّة الذي يعدّ الأول من نوعه لجهة التنوع الكبير في أعضائه، وكذلك منصة "عرب لندن" التي نظّمت ورش عمل وندوات ولقاءات للمرشّحين العرب للانتخابات البرلمانيّة لجهة رفع الوعي بضرورة المشاركة السياسيّة.

5- ثمة صعود متنامٍ لليمين المتطرف في بريطانيا ممثّلًا بحزب الإصلاح الذي يقوده اليميني المعادي للمهاجرين نايجل فراج، وفي عموم أوروبا، ما يدق ناقوس الخطر لدى الأقليات والمهاجرين الذين رغم كونهم مواطنين بريطانيين كاملي الحقوق، فإن بعض هذه الأحزاب تستهدفهم وتحرض ضدهم. هي إذاً انتخابات مفصلية بكلّ المعاني، فيها تراجع واضح للثقة بالأحزاب الكبرى، وتعاظُم فرص الأحزاب الأصغر، مثل الديمقراطيين الأحرار، وحزب الخُضر، وكذلك المستقلين، هذه انتخابات غزّة، وفرصة للمرشّحين العرب وللجالية لإثبات نفسها وحجمها ووزنها في سياق إيصال صوتها، وهذه رسالة أيضًا للعرب البريطانيين بضرورة التّصويت العقابي لكلّ من دعم حرب الإبادة بغزة أو بررها، ومساندة كل من وقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ورفض إبادته، وطالب بالعدالة، لأن قضيته قضية عدالة، هي كذلك رسالة للجالية العربيّة بدعم وإسناد المرشّحين العرب.

*كاتب فلسطيني مقيم في بريطانيا

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.