المؤتمر الوطني الفلسطيني واليوم التالي فلسطينياً

20 أكتوبر 2024
+ الخط -

لم يعد صعباً تحديد هدف حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل وأميركا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي حاولت واشنطن أن تبدو فيها وسيطاً خلافاً لحقيقة أنها رأس حربة في حرب الإبادة، فذلك الهدف كان منذ اللحظة الأولى يتمثل في تهجير الشعب الفلسطيني من غزة، ثم لاحقاً تطبيق ذات السيناريو في الضفة المحتلة. التهجير هو حرفياً ما طلبه بلينكن بشكل مباشر وواضح من عدد من القادة العرب في الأسبوع الأول للحرب عندما طالبهم باستقبال سكان القطاع.

إذاً التهجير هو الهدف الرئيس لحرب الإبادة، وهو ما بات واضحاً من رزم المهل التي تمنحها واشنطن لتل أبيب لاستكمال مشروعها، بعد تدمير واغتيال كل سبل الحياة في القطاع، فقد اتفقت واشنطن مع تل أبيب بأنه لا يوم تالياً في غزة، إذ تهدف خطة الحليفين لتهجير أكبر قدر من فلسطينيي القطاع وقتل أكبر عدد منهم، وإخضاع من يتبقى منهم لسلطة أمنية إسرائيلية يديرها على الأرض مجموعة من ضباط الأمن المرتبطين مباشرة بإسرائيل، ما يكرس فصل قطاع غزة عن الضفة، والإجهاز على وحدة الشعب والأرض والقرار، والمصير الفلسطيني.

وإزاء الأهداف والمرامي الإسرائيلية الأميركية وفي ظل غياب قيادة فلسطينية موحدة، واستسلام عربي كامل للمشروع الإسرائيلي التصفوي، فإن الحاجة لقيادة فلسطينية موحدة باتت أمراً ملحاً وضرورياً، بل مفصلياً، إذ تجري محاولة إلغاء وجود الفلسطينيين على أرضهم، أو جعل كلفة البقاء فيها باهظة، وقطع الطريق على ذلك يبدأ بما بدأ به "المؤتمر الوطني الفلسطيني" الذي عقد اجتماعاً وجاهياً للجنته التحضيرية الأسبوع الماضي بالدوحة، وأطلق نداء وصرخة عابرة للفصائل والتنظيمات والانتماءات من أجل التوحد لمواجهة ما ترمي إليه إسرائيل، وفي القلب منه قطع الطريق على مشاريع التهجير، وتثبيت الشعب الفلسطيني في أرضه، وهذا بحسب المؤتمر يستدعي إعادة إحياء وبناء منظمة التحرير الفلسطينية لتكون مظلة وطنية تواجه وتجابه هذه الهجمة متعددة الأدوات للمشروع الصهيوني الذي يواصل بلا هوادة وبقوة السلاح والحماية الأميركية تنفيذ مشروع تطهير عرقي على الهواء مباشرة فاق كل ما مارسه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني منذ النكبة، وهو سيكون نكبة جديدة إذا لم يصطف الشعب الفلسطيني فوراً جبهة واحدة لمواجهته وكسره.

الحاجة لقيادة فلسطينية موحدة باتت أمراً ملحاً وضرورياً بل ومفصلياً حيث تجري محاولة إلغاء وجود الفلسطينيين على أرضهم، أو جعل كلفة البقاء فيها باهظة

من المعيب أن نكون منقسمين ونحن نتعرض مجتمعين لحرب إبادة، ومن غير المفهوم أن يعوّل فلسطيني على أطراف خارجية في لعب دور عقب انتهاء الحرب، أو أن يقبل فلسطيني للاحتلال أن يحدد من يدير قطاع غزة بعد الحرب، فهذا شأن فلسطيني لا يمكن أن يتعاون أي فلسطيني فيه مع الاحتلال أو أي قوى أمنية تابعة له أو دول مرتبطة به تسعى لسلب الفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم وإدارة شؤونهم وإقامة دولتهم، هذا أمر مجرم وطنياً وأخلاقياً، وعقب حرب إبادة استشهد فيها قرابة 60 ألف فلسطيني إذا ما احتسب من هم تحت الأنقاض، وضعف هذا الرقم من الجرحى لا يمكن لأي طرف أن يوافق على ترتيبات إسرائيلية أو أميركية أو عربية من دول تدور في الفلك الإسرائيلي.

المطلوب اليوم قبل أمس هو وحدة وطنية فلسطينية، ورفض التعامل مع أي مشاريع إسرائيلية، العودة لما قبل أوسلو بإعادة إحياء منظمة التحرير لتدير المعركة الطويلة مع الاحتلال، فالخطيئة الكبرى كانت وهم الدولة الذي أصاب تياراً من الحركة الوطنية الفلسطينية وجعلته يقيم "سلطة" قبل التحرير، وتوهم أننا دولة، فلم يسجل أن شعباً تحت الاحتلال انشغل بذلك قبل أن يتحرر من الاحتلال، فكيف ونحن نواجه احتلالاً استيطانياً إحلالياً إلغائياً عنصرياً يستهدف إبادة الشعب المحتل تماماً كما فعلت الولايات المتحدة مع الهنود الحمر، وبالمناسبة فليس مستغرباً أن تساعد الولايات المتحدة إسرائيل اليوم في إبادة الشعب الفلسطيني وهي التي قامت على الإبادة، كما ليس مستغرباً أن ينحرف الغرب ويذهب بعيداً في غيه ودعمه لإسرائيل ويدافع عنها، فهي قاعدة متقدمة للاستعمار الغربي، وثبت في هذه الحرب أنها ليست أكثر من حاملة طائرات أميركية.

تستمر حرب الإبادة للسنة الثانية على التوالي، في ظل ضعف أو غياب تام للقيادة الفلسطينية، وتستمر عذابات شعبنا في قطاع غزة من القتل إلى التجويع إلى التهجير في مقتلة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً حتى في الحربين العالميتين، وتستمر هجمات قطعان المستوطنين وحكومة اليمين المتطرف على الضفة الغربية، ويستمر الصمت والعجز العربيان وربما التواطؤ في سلوك دول اختارت التحالف مع إسرائيل، ويستمر الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل، ويجب بمواجهة ذلك ألا يستمر الانقسام الفلسطيني وألا يستمر الفراغ القيادي، وألا يستمر الرهان على يوم تالٍ إسرائيلي أمريكي، إنما يجب أن يكون اليوم التالي فلسطينياً، ولا يمكن أن يكون دون قيادة فلسطينية موحدة وواحدة.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.