تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى العاصمة السورية دمشق، والتي بدأها أمس الثلاثاء، في خضم تطورات سياسية يشهدها الملف السوري، لعلّ أبرزها قرب تشكيل اللجنة الدستورية المنوط بها حسم ملف الدستور، ما يؤسس لحل سياسي تخشى إيران أن يكون على حساب مصالحها في سورية. كما تأتي قبيل أيام من انعقاد جولة مفاوضات جديدة في إطار مسار أستانة، إذ من المتوقّع أن تشهد هذه الجولة المقررة يومي 25 و26 إبريل/ نيسان الحالي، توافقاً روسياً تركياً على أسماء أعضاء اللجنة الدستورية التي تضم ممثلين عن المعارضة والنظام والمجتمع المدني السوري، على أن تعلن في مدينة جنيف السويسرية أواخر شهر إبريل الحالي أو مطلع شهر مايو/ أيار المقبل، مع أن كثيرين لا يعيرون اللجنة الدستورية تلك أي أهمية، لعلمهم أن النظام غير مستعد لا للتفاوض ولا لتقديم أي تنازلات، لمعرفته المسبقة بأنه في حال انطلق فعلاً في مسار إصلاحي بعيداً عن الخيار الأمني، فإن الأمور قد تفلت من يده بالكامل. كما سيكون مصير محافظة إدلب وفتح الطرق الدولية في شمال غربي سورية، والتي تربط حلب بالساحل ووسط سورية، إضافة إلى ملف المعتقلين، من الملفات الساخنة على طاولة التفاوض في العاصمة الكازاخية نور سلطان (أستانة سابقاً).
وتعدّ زيارة ظريف لدمشق الأولى منذ أن قدّم استقالته من منصبه في 25 فبراير/ شباط الماضي، في اليوم نفسه الذي وصل فيه رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى طهران للمرة الأولى بعد اندلاع الحرب السورية. واتخذ ظريف وقتها قراره، احتجاجاً على تهميش وزارة الخارجية الإيرانية في ما يتعلّق بالتنسيق حول زيارة الأسد، وعدم علم ظريف بها، ليقول قبل تراجعه عن الاستقالة، إنه أقدم عليها للحفاظ على موقع ومكانة الوزارة.
وفي السياق، ذكرت وكالات أنباء إيرانية أنّ زيارة ظريف لسورية تستغرق يومين، تلبية لدعوة من الأسد، كان قد نقلها السفير السوري لدى طهران عدنان محمود، نهاية فبراير الماضي لوزير الخارجية الإيراني، خلال اتصال هاتفي بعيد تراجع الأخير عن استقالته. وهو ما يعزز الاعتقاد بأنّ الزيارة في جزء منها تعتبر "ترضية" لظريف. ويبحث ظريف مع سلطات دمشق العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك، ويتابع التفاهمات التي توصّل إليها الأسد مع الرئيس الإيراني حسن روحاني سابقاً، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء "فارس"، من دون أن تكشف عن ماهية هذه التفاهمات. كما سيتوجه ظريف بعد زيارته لدمشق إلى أنقرة، ليلتقي مع المسؤولين الأتراك للتباحث حول أهم القضايا الإقليمية والدولية وتعزيز العلاقات الثنائية، حسبما أوردت "فارس".
ولعلّ ملف اللجنة الدستورية سيكون على رأس أولويات الزيارة، إذ تدفع طهران مع النظام السوري باتجاه إجراء تعديلات على الدستور الذي وضعه النظام في عام 2012 وليس نسفه بشكل كامل، وهو ما قد يسمح لبشار الأسد بالترشّح مرة أخرى في أي انتخابات رئاسية مقبلة، خصوصاً أنّ طهران ترى في الأسد ضمانة لمصالح سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية عملت طيلة سنوات الأزمة على ترسيخها، بحيث بات الإيرانيون لاعباً لا يمكن تجاوزه في سورية.
اقــرأ أيضاً
وتعتبر إيران قوة ضاربة في الجغرافيا السورية من خلال عشرات المليشيات الطائفية والمحلية المدعومة من الحرس الثوري والتي تنتشر في أنحاء البلاد، بشكل تحوّلت فيه إلى قوة احتلال، كما ترى المعارضة السورية. وقد بدأت إيران أخيراً تعمل على قطف أولى ثمار دعمها اللامحدود لنظام بشار الأسد، والمتمثلة بالطريق البري الذي يربط طهران عبر العراق بالساحل السوري ومنه إلى بيروت، والذي يؤكد هيمنتها على ثلاثة بلدان عربية.
لكن المحاولات الإيرانية لترسيخ نفوذها في سورية تصطدم بمساع عدة لتحجيم ذلك، خصوصاً من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل وحتى روسيا. وفي أحدث تحذير أميركي للإيرانيين، قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، في كلمة ألقاها أوّل من أمس الاثنين، في المؤتمر السنوي المشترك الـ37 الذي ينظمه مجلس الأعمال التركي الأميركي في واشنطن، إنّ "على الإيرانيين مغادرة سورية والعودة إلى بيوتهم". كذلك، لا تكاد تنقطع تصريحات المسؤولين الأميركيين عن نية واشنطن المضي في خطوات من شأنها إجبار الإيرانيين على الخروج من سورية، ومن هذه الخطوات الحصار الاقتصادي.
كما يعزز استمرار الضربات الإسرائيلية المتتابعة لمواقع عسكرية سورية يُعتقد أن للإيرانيين وجوداً فيها، وسط غضّ طرف روسي، الاعتقاد بوجود رغبة لدى موسكو في الحدّ من النفوذ الإيراني، بل والقضاء عليه في سورية، لا سيما أنّ الإيرانيين ينافسون الروس في كل شيء هناك، تحديداً في الجانبين العسكري والأمني، حيث يرتبط عدد كبير من الضباط البارزين في جيش النظام بالحرس الثوري الإيراني.
ويبدو أنّ مساعي إيران لإنشاء قاعدة بحرية لها على السواحل السورية من خلال "استئجار" مرفأ اللاذقية، كبرى مدن الساحل، يشكّل قلقاً روسياً، خصوصاً أنّ الأمر تمّ من دون التنسيق مع موسكو، كما تؤكد تقارير نشرتها الصحافة الروسية.
وتسعى موسكو لأن تكون الطرف الأقوى وربما الوحيد الذي يتحكم بمفاصل القرار السوري. ومن هنا، تنبع مخاوف الإيرانيين من محاولات تحييدهم نهائياً في سورية، وهو ما يفسّر الخطوات المتسارعة في الآونة الأخيرة من قبل طهران لفتح الطريق البري الذي يربطها بالساحل السوري عبر العراق. كما أحيت إيران مشروعاً كان قد توقّف مع بدء الثورة السورية للربط السككي بين الأراضي السورية والإيرانية عبر العراق، لفتح طرق تجارية جديدة، وتجذير الهيمنة الإيرانية على العراق وسورية ولبنان. ولهذه الغاية، ترسّخ طهران وجوداً عسكرياً في البوابة الشرقية للجغرافيا السورية في ريف دير الزور الشرقي، جنوب نهر الفرات، والذي زاره الشهر الماضي رئيس هيئة أركان الجيش الإيراني محمد باقري، في تأكيد على هيمنة بلاده على المنطقة.