على الرغم من ذلك، كانت إيران حريصة على إيصال رسائل واضحة خلال زيارة العبادي لها، وهو ما ترجم في "التحذير من المكر الأميركي" الذي وجهه المرشد الإيراني، علي خامنئي، للعبادي، خلال لقائه به أمس الخميس، داعياً رئيس الوزراء العراقي إلى عدم الثقة بواشنطن.
العبادي الذي زار تركيا قبل أن ينتقل بعدها إلى إيران على رأس وفد يضم شخصيات سياسية واقتصادية رفيعة، يجعل المعنيين في إيران يقرؤون في جولته الإقليمية هذه، والتي كانت الرياض محطة فيها، على أنها محاولة لإيجاد تكافؤ في علاقات العراق الخارجية أولاً. فاللقاء السعودي العراقي الأخير انتهى بخطة عملية، وجاء بعد زيارة سابقة للعبادي نفسه في يونيو/حزيران الماضي إلى المملكة، استطاعت إنهاء توتر دام لسنوات بين الطرفين الراغبين بفتح صفحة تعاون جديدة تحت عنوان الاقتصاد والاستثمار في العراق.
بالتالي فإن إيران تؤيد مثل هذا التوجه في العراق، كونها متأكدة من ثقل الملفات المشتركة الأخرى بينها وبين وبغداد، ومن حجم نفوذها وقدرتها ميدانياً فيها، إلا أن المسؤولين الإيرانيين مدركون لواقع وجود أهداف سعودية أميركية متقاطعة، وبدا واضحاً من توجهاتها أن واشنطن في صدد تشكيل محور لمواجهة إيران في المنطقة.
في هذا الإطار، ركّزت بعض وسائل الإعلام الإيرانية في وقفاتها التحليلية المتعلقة بزيارة تيلرسون إلى السعودية، على تحركات واشنطن بإدارتها الأميركية التصعيدية إزاء طهران، مؤكدة أن "تقاربها مع الرياض يأتي لتشكيل جبهة تحالف بغية ردع إيران وحلفائها". واستبقت كل ما يجري بـ"التأكيد على أن الأوضاع الميدانية سواء في سورية أو في العراق تسير لصالح إيران أولاً". لكن رهان طهران هو على العديد من الملفات، التي حملها العبادي نفسه إليها، سواء تلك المتعلقة بكردستان العراق وبالحرب على "داعش"، أو حتى بالتعاون الاقتصادي بين الطرفين.
في هذا السياق، رأى خبير الشؤون الإيرانية صابر غل عنبري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "لزيارة العبادي أهمية بالغة في التوقيت والمضمون، لا سيما أنه حضر لطهران بعد زيارات ولقاءات مع مسؤولين لدول لا تربطها بإيران علاقات ودية"، مؤكداً أن "المسؤولين في الإدارة الإيرانية يرون أن العبادي يحاول تحقيق سياسة توازن في علاقات بلاده الخارجية، كما أنه ليس معنياً في الوقت الراهن بقبول الاصطفاف ضمن أي محور إقليمي أو دولي مضاد لإيران، لذا سيؤكد لمسؤوليها أنه يقف على مسافة واحدة من الجميع".
ورجح الخبير نفسه أن يكون العبادي، قد وضع إيران "بصورة المباحثات مع السعودية، وسيزودها بكافة التفاصيل المرتبطة بماهية المجلس التنسيقي وببنوده التي ستتحول لواقع عملي". وبحسب غل عنبري فقد يكون العبادي محملاً برسالة سعودية لطهران، إلا أنه لا يمكن التكهن بهذا الأمر في ظل وجود تعنت سعودي واضح حتى الآن ويرتبط بعدم رغبة الرياض بترميم العلاقات بين البلدين، وهو ما يترافق بدعم واضح لاستراتيجية الرئيس دونالد ترامب الجديدة إزاء إيران".
ولفت غل عنبري إلى أن "إيران والأطراف التي تدعمها وتواليها ما زالت حاضرة وبقوة على الأرض في العراق، وزيارة العبادي تعني أيضا أن حكومة بغداد ترفض تلك التصريحات الأميركية التي تدعو لطرد إيران ومحاصرة الفصائل التي تتحالف معها".
واستبعد، على غرار كثر في الداخل الإيراني، أن "يستغني العراق عن الجارة الإيرانية، وهو ما يجعل موضوع التقارب السعودي العراقي خلال هذه المرحلة غير مقلق لطهران، لا سيما أن العبادي توجه إليها مباشرة لوضعها في صورة التطورات ولإيجاد نوع من التكافؤ في العلاقات بينها وبين الرياض". واعتبر أن "زيارة العبادي قد تحمل هدفاً آخر مرتبطاً بالانتخابات المقررة في العام المقبل، فهو بحاجة ماسة للدعم الإيراني ليفوز بالأغلبية البرلمانية".
من ناحيته، رأى رئيس جمعية الصداقة الإيرانية العراقية، صباح زنغنه، أن "من الواضح أن بعض الأطراف تسعى إلى تحويل العراق لوسيلة للضغط على إيران، لكن هذا غير قابل للتحول إلى واقع عملي ملموس في الفترة المقبلة". وأبدى، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، ترحيبه بـ"زيارة العبادي، وبما يحمله لإيران، كونها تأتي كذلك خلال المراحل الأخيرة لتطهير العراق من تنظيم داعش"، مؤكداً أن "في جعبته العديد من ملفات التعاون العسكري والأمني وحتى الاقتصادي والتجاري بين البلدين، وهي أمور كفيلة بالحفاظ على خط العلاقة الودي مع طهران وبشكل قوي. وعلى الرغم من تفوق ملف تشكيل مجلس التنسيق العراقي السعودي برعاية أميركية على بقية العناوين، لكن لكردستان العراق والتطورات المتعلقة باستفتاء الانفصال المعلق، حصة أيضاً، فالتقاطعات بين بغداد وطهران في هذا الصدد كانت واضحة وقطعية".
ولفت زنغنه إلى أن "الموقف الكردي المتعلق بالانفصال تراجع بسبب مساع إيرانية ساهمت في التخفيف من حدة هذه الأزمة، وهو ما يعني أن بغداد قد تطلب وساطة ومشورة إيرانية ترتبط بعناوين طاولة الحوار المستقبلية بين بغداد وإقليم كردستان". ورأى أنه "من ناحية ثانية، فإن إصرار حكومة بغداد على تسلم المعابر الحدودية البرية بين الإقليم من جهة، وتركيا وإيران من جهة ثانية، يستدعي المزيد من المشاورات، فزيارة العبادي جاءت مباشرة بعد إعلان القنصلية الإيرانية في أربيل عن فتح معبر باشماق الحدودي مع السليمانية، عقب تعليق مرور المسافرين والبضائع عبره قبل مدة، من دون أن تحدد مصير المنافذ الأخرى، التي أغلقت بالكامل، بحسب أربيل نفسها، وهي التي تمر عبرها معظم البضائع الإيرانية المصدرة للعراق".