دموع فخرية

08 يونيو 2020

فخرية خميس: لست كومبارسا

+ الخط -
لم تكن الفنانة العمانية فخرية خميس تعترض على دورها الثانوي، "أمينة" زوجة إمام المسجد في المسلسل المثير للجدل "أم هارون". إنما ساءها تعرّضها لتهميش وإنكار من المخرج محمد العدل، إلى درجة أن هتفت بأنها ليست "كومبارسا"، وذلك في مقابلة معها في مجلة التكوين العمانية، تخلله حزن وبكاء.
كانت هذه المشاعر في عمقها موجهة إلى بلدها، في وقت أصبح فيه الممثل العُماني يعيش وضعا لا يُحسد عليه، حيث بعدت المسافة بينه وبين تاريخٍ جميل، تصاهرت فيه طاقاته مع ممثلين كبار، أثبت فيها أنه لا يقل مهارةً وموهبةً عن أقرانه العرب، حين كان التلفزيون العُماني في الثمانينيات والتسعينيات يدعوهم إلى مسقط للعب أدوار مع ممثلين عُمانيين، ومنهم أحمد مظهر وأحمد مرعي وشكري سرحان ويوسف شعبان وروحي الصفدي ومنى واصف وأسعد فضة ومحمود أبو غريب وسعيد صالح وعبير عيسى وحسن حسني ورشيد عساف وعبد المجيد مجذوب وجوليت عواد وأبو بكر عزت وآخرون.
الفن (والثقافة عموما) صمام أمان للمجتمع ضد أوجه الغلو والتشدد، وعلى الدولة رعايته من دون انتظار نتائج ربحية مباشرة، لأنه رأس مال رمزي مهم، يساهم في تهذيب النفوس، ويمتص التوترات، ويدمج المجتمع في نسيج متجانس يذوب فيه التنافر ويتقلص التباعد، كما قال نابليون يوما: "أعطني مسرحا أعطك مجتمعا راقيا".
من المهم الآن أن تُستثمر كل تلك الإمكانات التقنية والمواهب البشرية التي اكتسبت خبرة على مر السنين، وتبنى لبنات جديدة عليها، لتتكون في عُمان ظروف فنية ودرامية لا تقل بروزا عن التي في الكويت وسورية والأردن ودول عربية أخرى نجحت في تعزيز حضورها في هذا المجال، بدل أن يقضي الممثلون العُمانيون حياتهم موظفين إداريين ينتظرون مخصصاتهم الشهرية، وقد تقلصت ميادين تحقيق طموحهم الفني، يعيشون على أمل ورجاء أن يحظوا بدعوات من الخارج، والرضى بلعب أي أدوار تُطرح عليهم، شريطة توفّر جانب من الكرامة تحفظ لهم شيئا من تاريخهم ومكانتهم المعطّلة في بلدهم.
غدا من المهم الآن وضع خطط تعزيزية للدراما العُمانية، لكي تحافظ على استمرارها وتطورها. إذا علمنا أن وقف دعمها يؤدي إلى سد أفق حضاري مهم للبلاد، ناهيك عن قطع أوصال مجهودات مضيئة سابقة، وتعطيل سلسلة من الفنون الملحقة بالدراما والمنبثقة منها، والتسبب في تشتيت خبراتٍ فنية جاهزة، ولجوء المواهب المبتدئة اللاحقة إلى مختلف المسالك لتحقيق ذاتها. ولا تُنسى المضاعفات النفسية للممثل والجمهور على حد سواء، حين يتحول الماضي إلى حلم ونوستالجيا، فتظل الإنجازات حبيسة الفترة الذهبية في الثمانينيات والتسعينيات.
.. يوما في الرباط في التسعينيات، كانت لدي لقاءات مع الثنائي المغربي الذي كان مسرحيا حينذاك، قبل أن يتحولا إلى نجمين كبيريْن في السينما والتلفزيون، محمد بسطاوي رحمه الله ومحمد خيي. وفي مرةٍ، وجدت بسطاوي بمفرده، لأن خيي، كما قال لي بسطاوي: "خليته شاد الصف" (ماسك طابور)، لأكتشف لاحقا أن الطابور يتعلق بالمخرج الأردني حسن أبو شعيرة الذي جاء إلى الرباط ليختار ممثلين للمسلسل العماني "عُمان في التاريخ" لتلفزيون سلطنة عُمان، وكانت فخرية خميس إحدى أبطاله الأساسيين مع ممثلين عرب معروفين، ولم يتم حينها اختيار محمد خيي لأداء أي دور... ماذا حدث بعد كل تلك السنين؟ أصبح محمد خيي الآن نجما حقيقيا. والغريب، أنه في رمضان الفائت، اختارته قناة إم بي سي لبطولة مسلسل "سلامات أبو البنات"، وهي القناة التي ساهمت في تمويل "أم هارون"، وبثته على شاشتها، المسلسل الذي تسبب في بكاء فخرية خميس بسبب التهميش!
ماذا لو استمرّت الدراما العُمانية في اضطراد النمو، بعد مسلسلات مهمة، مثل "الخليل بن أحمد الفراهيدي" و"الشعر ديوان العرب" وغيرهما؟ ألن يكون لدينا اليوم نسيج درامي متماسك يميزنا، ونستطيع به أن نردّ (بالفن) على أي تشويه تاريخي حدث مرارا؟ وهل ستصل الدراما العُمانية إلى هذا الحال الذي بكت فيه ممثلته الأولى ألما وحسرة؟
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي