دمشق تحت سلطة البرد

14 يناير 2015
تصوير: عمّار سليمان
+ الخط -

وللطبيعة أحياناً دور في السياسية، ودور في إرساء السلم، ولو مؤقتاً. هذا ما فعلته "زينة" العاصفة الثلجية التي كان للعاصمة دمشق منها نصيب. في حضرة العاصفة سيرمي الجميع أسلحتهم ويأوون إلى أقرب مكان ينعم بالدفء. المقاتلون، الساسة، المدنيون.. كل أولئك من الطرفين سيرمون أسلحتهم جانباً في هدنة يفرضها الثلج.

سماء دمشق اليوم مغلقة بالغيوم الحبلى بالبياض. ستسقط كل السلطات ثائرة أو مستبدة، في العاصمة أو على أطرافها. السلطة الوحيدة في حضرة العاصفة هي البرد، ولا شيء سواه.

وكأن الطبيعة بهذه العاصفة تردّ على محاولات النظام في إنعاش العاصمة الميّتة قبيل نهاية العام المنصرم، حيث شلّت الثلوج المتراكمة حركة المدينة بالكامل. سدّت الطرق الرئيسية والفرعية. المدينة في صباح العاصفة فارغة تماماً. المحال مغلقة بحلّة إضراب لطالما تمناه الشعب. الطرق غير سالكة. حتى الحواجز هجرها سكانها (لن تضطر إلى إخراج هويتك عدة مرات في طريق لا يتجاوز الكيلومتر). جبهات القتال صامتة بالمطلق. ربما، أخرسها صمت الهطول.

في ظلّ شحّ مواد الطاقة (مازوت، كهرباء.. إلخ) أدرك سكان العاصمة أن مظاهر رأس السنة وليلة الميلاد وهمٌ يخفي وراءه ضنك العيش. أعادهم الصقيع وغياب الدفء إلى واقعهم القاسي. العاصفة - وقبلها الحرب - سلبت أقدم عواصم العالم دفئها، وعرّتها أمام الزمهرير.

لن يشكو سكان دمشق، النازحون منهم بالأخص، من انقطاع الكهرباء المتواصل. فهناك، وراء الخطوط الحادة بين المدينة وريفها، أناس يعانون أكثر.. حتماً أكثر. في البعيد أيضاً، يرقد شعب تحت الخيام، حاله الأسوأ بالتأكيد. العاصفة أفقدت دمشق الحياة. المفارقة، أنها أفقدتها الموت أيضاً. لم يمت أي سوري اليوم. لم تزهق أي روح اليوم. يبدو أن غيوم العاصفة منعت الأرواح من الصعود، وجعلت العاصمة وريفها الجريح في الخواء سيّان.

في هدنة الثلج هذه، يوقفك الصقيع عن حياتك اليومية. يوقف خط الأحداث الدامية. تخرجك الوحدة المفروضة من الحدث، وتأخذك إلى خارج الركام لترى المصيبة كاملة. تتأمل ذاتك أولاً. نحن بخير؟ تسأل ولا تجيب. تفتح عينيك. ترى حجم الكارثة. تفاجأ بحجم الموت. يصدمك زخم الزمن في سنواتك الأربع الماضية. أمرَّ كلُّ ذلك الوقت على ندائنا الأول؟ دمشق مدينة ميتة. تعلن في سرّك. وتهذي في صقيع: "ذات يوم سيعلم الجميع لما كان كلّ هذا".

المساهمون